لا يريد أحد من الطرفين : غلاة الأقباط وغلاة العلمانيين أن يتقي الله في هذا الوطن ، وأن يتحدث بشفافية وبصراحة في ما يسمى ب"حقوق المواطنة" ! ، فلكل منهما أجندته وحساباته ، والتي هي في واقع الحال لا علاقة لها لا بالمواطنة ولا بالوحدة الوطنية ... الأول لاسيما "بعض" أقباط المهجر وأقول وأوأكد على كلمة "بعض" .. إذ ليسوا سواء يتاجرون بعوام الأقباط في مصر ، وانتفخت جيوبهم وكروشهم بال"الدولارات الحرام" غير مكترثين بما سببوه من أذى لحق بسمعة ومروءة أقباط مصر من الغلابة والطيبين ، إذ يتحدثون باسمهم وهم على "حِجْر" اليمين الأمريكي المتصهين ، ما ترك انطباعا زائفا بأن الجميع معاذ الله مثلهم "خونة" يتقاضون مصروفهم أول كل شهر من الخزانة الأمريكية ، لقاء استغلالهم كورقة ضغط على بلدهم ووطنهم الذي يدعون أنهم "أبناؤه الأصليون" ... ولم يدرك هؤلاء "المرتزقة" أن "العميل" المرتزق ، بعد أن يؤدي مهمته أو يفشل فيها ، يتحول في النهاية ليس إلى "ورقة ضغط" وإنما إلى أقل من "ورقة كلينكس" من النوع الرديء الذي يستنكف حتى سيده الذي استأجره ضد بلده أن يستعملها خشية إصابته بأمراض مميتة. أما غلاة العلمانيين فهم يستغلون "الشبق الطائفي" لدى تيار التطرف بالكنيسة المصرية بالداخل ،وظاهرة المتاجرة بالأقباط بالخارج.. ليس لمصلحة ما يسمى ب"حقوق المواطنة" للأقباط المصريين كما يزعمون ، وإنما لتصفية حسابات خاصة مع الظاهرة الإسلامية على وجه العموم : حضارة وهوية وفكرا ودعوة وبرامج في الإذاعة والتليفزيون وفي الصحف .. الخ . وليس مهما النتيجة حتى لو ذهبت البلد كلها بمسلميها وأقباطها إلى الجحيم ! هذا هو واقع وحال وأهداف الطرفين .. لأنه إذا كان ثمة مشكلة فيما يتعلق ب"حقوق المواطنة" ، فهي مشكلة تمس جموع المصريين مسلمين وأقباطا ... المضللون فقط هم من يحاولون تصويرها بأنها "أزمة قبطية" فقط . وأنا أعترف وأقر أن هناك تعديا حقيقيا على "حقوق المواطنة" للأقباط .. ولكن هذا التعدي ليس من قبل إخوانهم المسلمين ... وإنما من قبل الكنيسة المصرية التي تسعى سعيا حثيثا لتفرض وصايتها وسلطتها الأبوية على كافة أنشطة الأقباط الاجتماعية والسياسية ، على النحو الذي بلغ مبلغ أن لا يجوز لقبطي أن يشارك أخيه المسلم في أي نشاط سياسي إلا بتصريح من الكنيسة والذي عادة ما يقابل بالرفض والملاحقة وربما تكفيره إذا خرج عن هذه الوصاية والتحق بالحركة الوطنية المصرية ! ولا نريد أن نذكّر بتاريخ الكنيسة في عهد البابا شنودة في هذا الإطار ، ولكن أشير فقط إلى أحدث هذا التعدي من الكنيسة على حقوق المواطنة للأقباط .. واعتقد أن تجربة الكاهن فلوباتير مع حزب الغد والأقباط السبعة في حزب الوسط .. كان ذلك أحدث عمليات التعدي الكنسي على حقوق المواطنة للمساكين الأقباط . المقال الأخير للدكتور عصام العريان في "المصريون" كشف أيضا حالات تعدي جديدة للكنيسة على حقوق المواطنة ، عندما رفضت عرض الإخوان عليها بأن يشارك نحو 1000 قبطي إخوانهم المسلمين في الانتخابات المحلية قبل أن يقرر النظام تأجيلها لعامين ... وردت الكنيسة على العرض بأنها لا تعمل إلا بالترتيب مع النظام سعيا لحصول على "مكاسب" منه !. لقد باتت المكاسب الطائفية أغلى وأهم وأعز عند الكنيسة من التآخي بين أبناء الوطن الواحد ، ومن أن يكون للقبطي حرية المشاركة مع أخيه المسلم في العمل السياسي العام بعيدا عن أية وصاية طائفية . ورفض البابا شنودة أيضا أن تقام معسكرات شبابية مشتركة بين شباب قبطي و آخر مسلم بزعم الخوف من "تحولهم إلى الإسلام " !. وأذكر في هذا السياق تجربتي الشخصية مع كاتب قبطي معروف ، حين رفض أن يشاركنا في "المصريون" بمقال أسبوعي .. إذ اعتذر عن المشاركة وقال صراحة إنه "لا يريد أن يدخل في مشكلة مع الكنيسة "! .. حتى المشاركة بكتابة مقال في صحيفة مصرية يكتب فيها المسلمون تحتاج إلى تصريح من الكنيسة ! ما أريد قوله إن مشكلة الأقباط في مصر وبخاصة فيما يتعلق بمسألة المواطنة .. هي مشكلتهم مع " الكنيسة" أساسا ، فضلا عن مشاكل أخرى بالطبع يشاركون فيها إخوانهم المسلمين مع النظام الذي يحكمنا وهو ما سنتناوله في مقال لاحق إن شاء الله تعالى . [email protected]