تفاءل البعض كثيرا بعد قراءة البيان المشترك الذي أصدره د. أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس حول حالة الاحتقان الطائفي التي تصاعدت في أعقاب تصريحات الأنبا بيشوي الأخيرة وتعقيبات الدكتور «سليم العوا» عليها.. وسبب التفاؤل هو ما أكده البيان حول أن العقائد الدينية والمقدسات خط أحمر لا ينبغي لأحد أن يتجاوزه «رغم أن تلك بديهية لا تحتاج إلي بيان أو قرار» وأن المسلمين والمسيحيين نسيج واحد يعيشون تحت علم واحد يحكمهم مبدأ المواطنة كما ناشد الشيخ والبابا الجميع بالتزام الوحدة الوطنية فالبيان يدين محاولات إثارة الفتنة الطائفية سواء بالإساءة إلي المقدسات الدينية أو الانتقاص من حقوق المواطنة التي يستوي فيها المصريون جميعا بغير تفرقة ولا تمييز. وبناء عليه، وفور صدور البيان فقد انتقلت المسئولية - في التو واللحظة - من فوق أكتاف المؤسسات الدينية لتلقي علي عاتق الشعب والمجتمع المدني والصفوة من المفكرين وأصحاب الرأي.. أصبحت الكرة الآن في ملعبهم إن كانوا يريدون خيرا لهذا الوطن.. وهم بالفعل كذلك طيبون وخيرون لا يضمرون شرا ولا يقصدون إلا المصلحة العامة وسيقومون فورا برأب الصدع.. فالأحداث الأخيرة لا تعدو كونها وخزات. -- شيطان آثيم أغلب الظن وطبقاً لنظرية المؤامرة عدو خارجي لا يريد لبلادنا أن تنعم بالأمن والاستقرار لكن سرعان ما سوف يتم رتق ثقوب النسيج الواحد وتموت الفتنة في مهدها، وتبحر سفينة الوحدة الوطنية من جديد بمجدافيها اللذين يمثلان عنصري الأمة.. ويتعانق الهلال مع الصليب وتعود روح ثورة «1919» وروح حرب أكتوبر المجيدة.. وينشد الجميع «مصر.. مصر.. مصر أمنا وفخرنا وعزنا ومجدنا» إن تصوير الأمر علي هذا النحو المخل الذي يجعل من فكرة المواطنة مجرد شعار يرفع إبان أزمة طائفية تحل بلمسة سحرية قوامها بيان عاطفي مدجج بأقوال مأثورة وحكم بليغة، ومفعم بأمنيات طيبة، ورسائل سلام معطرة.. هذا التصور ليس سوي جنيناً مبتسراً ولد ليموت.. فالأزمة الحقيقية تكمن في أن الشارع المصري بمسلميه وأقباطه أصبح شارعاً طائفياً متعصباً تحكمه نزعة سلفية وشيوعاً لتدين شكلي تحركه ثقافة الحلال والحرام ومرجعية عنصرية متشددة تشكل ردة حضارية ذات مزاج رجعي متخلف وكئيب تسيطر علي أفكار الناس وسلوكياتهم وكافة أمور حياتهم الاجتماعية.. وأغلبية الشعب في بلدنا الآن يعتبرون أنفسهم مسلمين أو مسيحيين قبل وبعد أن يكونوا مصريين.. يعيشون في كنف دولة مدنية وما عزلة المسيحيين الرابضين داخل الكنائس متشرنقين بها يحتمون بتوجيهاتها وتعاليمها والحياة في إطار نشاطاتها الإنسانية المحدودة والضيقة والمنحصرة في جيتوهات لا علاقة لها بمشاكل الواقع الاجتماعي وقضايا المجتمع.. ما هذه العزلة إلا تكريس لطائفية تعكس جزعاً متنامياً من نشاطات الآخر التي تأخذ هي الأخري شكلاً طائفياً بدأت منذ اجتياح الخطاب الأصولي أرض المعمورة يدعمه دعاة «البيزنس» الذين يقابلهم متطرفو المهجر.. -- أنا أتفق مع الأستاذ «نبيل عبد الفتاح» أن خطاب التعصب الديني والمذهبي إزاء الآخر من بعض رجال الدين الغلاة هو تعبير عن خلل في تكوين وإنتاج المؤسسات الدينية لرجال الدين المحترفين الذين تركوا أدوارهم في التربية وتعليم المواطنين دينهم وعقائدهم وطقوسهم بالحسني واللين الذي يكرس التسامح ومحبة الله والأمة والآخرين إلي خطاب الكراهية.. والأحري خطاب السيطرة الرمزية علي الأتباع من خلال بناء الحواجز النفسية والانقسامات بين المواطنين علي أساس ديني.. ناهيك عن إنتاج ذاكرة طائفية للجماعة تجعل من رجل الدين رجل سياسة.. تجعله هو نفسه متجاوزاً لمبادئ المواطنة التي ينادي بها الآن ويحاول أن يلزم بها الرعية.. فأين مثلا مبادئ المواطنة واحترام الدولة المدنية في عدم تنفيذ أحكام القانون أو في احتجاز مواطنة مصرية بصرف النظر عن كونها غيرت دينها أم لا بواسطة السلطة الدينية. إن كلمة المواطنة إذا ليست مجرد شعار نصدره في بيان.. وإنما ينبغي أن يكون منهجاً يلتزم به الجميع وواقعاً يعيشه الناس. لذلك فإنه رغم كل التقدير لمجهودات د. «علي السمان» التي قام بها بإجراء اتصالات بين فضيلة شيخ الأزهر والبابا شنودة والتي أسفرت عن إصدار البيان المشترك والذي كما جاء في تصريحات د. «علي السمان» متماشياً مع ما أعلنه الرئيس مبارك في كلمته بمناسبة «6» أكتوبر.. بالرغم من ذلك فقد تحفظ حينما سأله المحاور: هل البيان كاف.. وهل سيمحو الغصة من قلوب الطرفين؟!.. أجاب: بالطبع ليس كافياً وعلي المجتمع المدني أن يمارس الدور المنوط به في هذا المجال.. وبالفعل فقد اتفقت مع الدكتور «عبد العزيز حجازي» رئيس اتحاد الجمعيات الأهلية علي اجتماع لجنة الخطة لمناقشة دور المجتمع المدني في مقاومة الفتنة الطائفية وبشكل عام «قضية التعايش بين الطرفين» -- يادكتور «علي»... علي المؤسسات الدينية أن تكون هي أولاً قدوة في تفعيل مبدأ حقوق المواطنة واحترام القانون.. وإرساء دعائم الدولة المدنية وفصل الدين عن السياسة وترشيد قيادتها في احترام الآخر ف «الآخر ليس أنا» والاختلاف لا يعني الشقاق والتلاسن والتراشق والتنابز والبغضاء.