بدأ موسم تقديم طلبات الترشيح لعضوية ما حاروا في تسميته، تارة مجلس الأمة وتارة مجلس الشعب، والأمة والشعب بريئان منه. وحين قرأت أن نفس الوجوه هى التي سارعت إلى تقديم طلباتها أصابني – وغيري- غم وأسى شديدان وربما أفضيا إلى الاكتئاب وفقدان الأمل في الإصلاح. فكثير من هذه الوجوه السبب فيما وصلت إليه حال البلد من تردي وانحطاط... من جوع وظمأ وعري وإظلام وأمراض وجهل. لم يقدم أعضاء المجلس فيما سبق ولو حسنة واحدة تذكر لهم وتذهب ببعض ذنوبهم وسيئاتهم. لا نذكر إلا التصفيق والموافقة على كل ما قدمته الحكومة من قوانين أضرت بمصالح الناس. ولا نذكر إلا أن المجلس كان ملجأ للمتاجرين بالمخدرات والفياجرا، وبتأشيرات الحج، وبالأراضي ولمحترفي الاقتراض من البنوك، وللاعبي الميسر، ولمرتادي أمكنة اللهو والمجون، ولمتعقبي النساء، وللمتلاعبين بأموال علاج الفقراء. صدقت يا رسول الله حين قلت"إذا لم تستح فافعل ما شئت". هذا الحديث البليغ الموجز هو المفسر الوحيد لما نحن فيه من فوضى واضطراب. نفس الوجوه تستعد لمواصلة المسيرة النفعية تحت قبة المجلس، فهذه الوجوه تعلو أكراش لم تمتلئ بعد، ولن تمتلئ إلا بعضوية المجلس وقد أصبحت وسيلة للإثراء يسعى إليها الغني قبل المعدم. وبالفعل فإني عايشت معدما كان يتكفف الناس قبل أن يصبح عضوا بالمجلس عن العمال، وما هي إلا سنة أو سنتين من العضوية إلا وظهرت عليه أعراض الإثراء... رصيد في البنك، أراض، شقق، وأكثر من سيارة، وفوق ذلك توهم أن الدنيا قد دانت له وأنه أصبح قادرا عليها، واعتراه الكبر والعجرفة... وقلة الحياء. يحيرني سؤال... لماذا تصر الحكومة على إجراء الانتخابات وتصر على تزويرها مع تذكيرنا بين الحين والآخر بما يتلف المزاج ويصدع الرأس. أربما لتلهية الناس، واختلاق موضوع لهم ليثرثروا فيه إلى أن يحل الموسم الذي يليه. ولا ينفك عجبي من أن يرشح وزير المالية نفسه، بعدما أرهقت سياسته الناس بالضرائب وتفننت في وسائل الجباية؛ وأعجب من العجب أن يرشح وزير الشئون القانونية نفسه، وهو لسان الحكومة، المدافع عن سياستها والمبرر لكل تصرفاتها دون النظر إلى ما قد يصيب الناس من أذى. وفوق هذا لا ننسى أنه هو المسئول- وسيظل- عن الاضطراب القائم الآن في الجامعات؛ والأعجب أن يرشح رئيس المجلس السابق نفسه... فهو القادر على توفير الغطاء الواقي لتصرفات نواب الوطني، وعلى التضييق على المعارضة. هؤلاء وغيرهم من الوزراء ومن غير الوزراء سينجحون بأغلبية ساحقة، ونجاحهم دليل منزه عن الشك على أن نتائج الانتخابات محددة سلفا. وليس مفهوما أن يصبح أعضاء الحكومة نوابا مع احتفاظهم بمناصبهم الوزارية.. فمن سيحاسب من! وثمة أمر هام... الإنسان في شبابه قد يجترح بعض ما يغضب الله، ولكن مع مرور السنين قد يعود إلى الله طالبا العفو والرحمة قبل يلقي بجيفته إلى مستقرها الأخير تحت التراب. فهل يغيب عن بعض المرشحين الذين تجاوزت أعمارهم الستين والسبعين خريفا أن النهاية قد اقتربت، وعليهم أن يحاسبوا أنفسهم حسابا ينجيهم من عذاب النار، هل نسوا الله فأنساهم أنفسهم وظنوا أن لا مرد إلى خالقهم. وليس مفهوما أيضا الإبقاء على نسبة النصف على الأقل من أعضاء المجلس للعمال والفلاحين وقد لا يعلم شباب اليوم أن هذه النسبة- أو بالأحرى البدعة- وردت في دستور 1964- أي قبل حوالي نصف قرن، ورغم تغير نمط الحياة فهناك إصرار على الإبقاء عليها للهتاف والتصفيق. تري هل أنصفت هذه النسبة عمال وفلاحي مصر... إن هؤلاء القوم لم يذوقوا هوانا وذلا إلا في ظلها، ويشهد على ذلك إنهاء خدمة آلاف العمال وتسريحهم بعدما بيعت مآويهم. وليس ببعيد تجاهل نواب المجلس من العمال والفلاحين زملائهم المحتجين المعتصمين على الأرصفة. أما الفلاحون فحالهم لا تخفى على أحد... أصبحوا يشقون بما يزرعونه ويحصدونه، وكأن الحكومة تعاقبهم على فلاحة أراضيهم، فهجروا الزرع والضرع وتمزقوا في البلاد. نريد تشريعا يلغي نسبة النصف للعمال والفلاحين، وتشريعا يجعل الحد الأقصى لعضوية المجلس دورتين، وتشريعا يحظر على الوزراء ترشيح أنفسهم وإلا الاستقالة، وتشريعا يشترط تفرغ العضو للمجلس بلا استثناءات، وتشريعا بإلغاء النسبة المقررة لمقاعد المرأة. عضوية المجلس بوضعها الحالي تناقض الدستور. الذي يوجب المساواة بين الجميع، لا فرق بين عامل- فلاح وأفندي، أو بين رجل وامرأة، أو بين متفرغ للمجلس ومستثنى من التفرغ. نعلم أن ما نريده بعيد المنال، ولا نملك إلا الدعاء فادعوا معي: اللهم في هذا الشهر الكريم نشكو إليك ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على حكامنا، نشكو إليك استبدادهم وجبروتهم، تزويرهم لإرادتنا واستخفافهم بنا، نشكو إليك عدم مخافتكم وقسوتهم علينا. اللهم اهدهم أو أرنا قدرتك فيهم.... يارب.