* يضيق صدري ولا ينطلق لساني وصرير القلم يرتعش بين بناني بعدما أصبح كل رخيص غال وكل غال رخيص اليوم في وطني..! فتضخمت الأسعار وغلت الأثمان إلا ثمن دماء الإنسان..! فهو بلاثمن وبلا قيمة فثمن حياة الناس اليوم ارخص من ثمن الرصاص. إذ عليك إذا خرجت من بيتك فى الصباح على الأقدام أن تلقى نظرة الوداع الأخيرة على أهل بيتك فلعلك تعود إليهم فى المساء محمولا على الأعناق جثة لاحراك ولانبض ولانفس فيها . لايدرى المقتول بأي ذنب قتل ولا يدرى القاتل المجرم لماذا قتل..؟! إنها الرغبة الدفينة في سفك الدماء بلا حرمة لشهر من الأشهر الحرم الذي حرم الله فيه إراقة الدماء بين الأمم والشعوب فما بالكم ونحن امة واحدة وشعب واحد . وقف صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع يخاطب العالم كله بل ويعطيه درسا أخلاقيا تربويا سياسيا فى حرمة إراقة الدماء وانتهاك الأعراض ونهب الأموال. معليا من قيمة الإنسان نفسه وماله وعرضه . فعن أبى بكرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال : أي يوم هذا ؟ قلنا الله ورسوله اعلم , حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه. فقال : أليس ذو الحجة ؟ قلنا : بلى . قال : أتدرون أى بلد هذا ؟ قلنا الله ورسوله اعلم . قال : فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه . فقال : أليس بالبلدة ؟ قلنا بلى. قال : فان دماءكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا وفى شهركم هذا فى بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم . ألا هل بلغت اللهم فاشهد . ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع . ألا فلا ترجعن بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " رواه البخاري ومسلم . * نعم.. قتل النفس بغير حق حرام... انتهاك البيوت وتحطيم أثاثها وترويع أصحابها وتلفيق التهم لملاكها وجعلها رمادا تذروه الرياح حرام . ونهب الأموال وسرقتها وخطفها حرام , بل اشد حرمة من الكعبة الشريفة لان الإنسان هو صنعة الله والله يغار على صنعته..! المفترض إننا نعيش فى دولة يحكمها قوة القانون والحق ولا نعيش فى غابة يحكمها قانون القوة والبقاء فيها للأقوى وليس للأصلح. فما بهذا تبنى الأمم وتربى الشعوب . إنني أقرأ في عين كل مصري اليوم وكأنه يقول كما قال الشاعر: ألا موت يباع فاشتريه... خير من هذا الذي أنا فيه...! نستيقظ كل يوم على لون الدماء وقد اكتست الأرض باللون الأحمر الدموي من دماء المصريين الأبرياء . نستيقظ كل يوم على رائحة الجثث المتعفنة فى النواصي والشوارع مع إن الله قد كرم بنى ادم ومن مظاهر هذا التكريم هو دفن الإنسان وعدم ترك جثته تنهش فيها الغربان وتأكل فيها الديدان فى عرض الشارع على مرأى ومسمع من الجميع..! في أي وطن نعيش.؟ وبأي قانون نحكم..؟ ولأي شريعة نحتكم..؟ لوقلت أننا عدنا إلى عصر الجاهلية الأولى حيث القتل والاقتتال من اجل الكلأ والمرعى فإني بذلك أتجنى على هذا العصر الذي كان يحترم قانون القبيلة ..! * لقد استوقفني كثيرا ماقرأته عما ورد في الأثر " انه سيجيء في آخر الزمان أقوام تكون وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، أمثال الذئاب الضواري ليس في قلوبهم شيء من الرحمة سفاكين للدماء لا يرعون عن قبيح إن تابعتهم خانوك وإن غبت عنهم اغتابوك وإن حدثوك كذبوك وإن ائتمنتهم خانوك ، شيخهم لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، الاعتزاز بهم ذل، وطلب ما في أيديهم فقر، الحليم فيهم غاوٍ، والآمر فيهم بالمعروف متهم، المؤمن فيهم مستضعف، والفاسق فيهم مشرف، السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنة، عندئذ يسلط الله عليهم شرارهم، ويدعو خيارهم فلا يستجاب لهم . " نعم.. أرى كل ذلك أمام عينى اليوم .. فهل الذين يقتلون المصريين الأبرياء بدم بارد لهم قلوب بها يشعرون..؟ ولهم عقول بها يفكرون..؟ ألا من الله يستحون ويخافون عندما يأتي المقتول أمام الله يوم القيامة حاملا رأسه بين يديه يقول يارب سل هذا القاتل بأى حق قتلنى..؟ هل سيقول القاتل يارب كنت أنفذ أوامر قادتي..! ساعتها لن ينفع القاتل ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به فقد انتهت صلاحية الدرهم والدينار الذي قتل من اجلهما ولم يعد يتبق إلا عملة الحسنات والسيئات , تلك هى العملة الوحيدة المعترف بها بين يدي الله. * هل نحن اليوم نواجه قلوب صماء..؟ هل نحن اليوم نواجه بصائر عمياء..؟ هل نحن اليوم نواجه ألسنة بكماء لاتنطق إلا بالزور وقول الزور ومنطق الزور..؟ لايخلو بيت اليوم فى مصر من شهيد أو جريح أو سجين أو معتقل أو متهم فان لم يكن هذا ولإذاك فهو على الأقل مطلوب وهو مدان مدان حتى تثبت براءته..! أين القضاء..؟ أين العدالة..؟ أين الحق..؟ أين حرمة دم المواطن..؟ أين حرمة عرض المواطن..؟ أين حرمة بيت المواطن وعرضه..؟ لم يعد احد اليوم آمنا فى سربه فيد الظلم طالت كل الأبرياء . ولم يعد اليوم احد معافى في بدنه فأنياب المرض نهشت الأجساد . وقليل اليوم من عنده قوت يومه فوحش الفقر والجوع أحاط بالشعب من كل مكان . متى يجد هذا الشعب القلب الرحيم الذي يحنو عليه ولا يقتله ..؟ متى يجد هذا الشعب الشفقة والرحمة..؟ متى يجد هذا الشعب حقه الذي كفله له القانون والدستورفى أن يجد من يسد جوعته ويقيل عثرته ويؤمن خوفه ويحيطه بظلال الأمن والآمان لابظلال السيوف فوق الرؤوس...؟! * يخطئ من يظن يوما أو لحظة واحدة أن المواطن الخائف يبنى وطنا آمنا. *ويخطئ من يظن يوما ما أن المواطن الجبان يبنى وطنا شجاعا . * ويخطئ من يظن يوما ما أن المواطن الذليل يبنى وطنا حرا كريما . * ويخطئ من يظن يوما أن المواطن المريض يبنى وطنا صحيحا سليما معافا. *ويخطئ من يظن يوما أن المواطن السلبي يبنى وطنا ومجتمعا ايجابيا فعالا . *ويخطئ من يظن يوما ما أن المواطن الفقير المحتاج يبنى وطنا عفيفا ثريا . *ويخطئ من يظن يوما أن المواطن الضعيف المرتعش يبنى وطنا قويا فتيا . * ويخطئ من يبنى حساباته السياسية العقيمة على كثبان الرمال المتحركة التي لااستقرار لها ففي أول هبة للرياح تراها اندثرت وتلاشت وكأنها لم تكن شيئا مذكورا . * إن انتشار بقع الدم الحمراء على الطرقات وعلى السيارات وفى النواصي والحارات لن يثبت أوتاد الحكم لأي سلطة لان الدماء ليست كالماء لان لها حرمتها وقيمتها وقدسيتها ولاسيما فى شهر الله المحرم . وإذا كان المواطن لاقيمة له فالوطن لاقيمة له . وإذا كانت دماء المواطن رخيصة فان الوطن أيضا سيكون ارخص أمام أعدائه فى الخارج . وإذا كان عرض المواطن مستباحا فان عرض الوطن أيضا سيكون مستباحا ايضا أمام أعدائه. وإذا كانت حياة المواطن تساوى ثمن رصاصة فان مستقبل الوطن سيكون كالريشة فى مهب الريح تحركها ايادى الأعداء كيف تشاء وفى الاتجاه الذي تريده. احفظوا للمواطن حقه وحريته وكرامته يحفظ الله لكم أوطانكم من أطماع الطامعين وتربص المتربصين وكيد الكائدين. * وأنى لاأجد رادعا للقاتل الذي استباح دماء الأبرياء فى نهاية مقالتي غير موقف ابن عباس حين سأله سائل : ياأبا العباس هل للقاتل من توبة..؟ قالها مرتين أو ثلاث..! فقال له ابن عباس ماذا تقول..؟ فأعاد عليه السائل سؤاله . فقال ابن عباس: أنى له التوبة.؟ فقد سمعت نبيكم يقول يأتى المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه متلببا قاتله بيده الأخرى تشجب أوداجه دما حتى يأتي به العرض فيقول المقتول لرب العالمين : هذا قتلني فيقول الله رب العالمين : تعست ويذهب به إلى النار . فهل القاتل استعد لهذا اليوم وحضر الإجابة بين يدي الله وليعلم أن محكمة العدل الإلهية ليس فيها استئناف ولانقض ولا تزوير ولاخلط للأوراق ولا شهادة زور ولاتاجيل لجلسة أخرى لان الحق بين والقاتل والمقتول بين يدى العدالة ولكنها عدالة الله المطلقة عنوانها لاظلم اليوم وشهودها لايكذبون وقاضيها هو رب العالمين . فهل وصلت رسالتي واضحة جلية ياأولى الألباب...؟ !