هل يدرك الحزب الوطنى أنه تجاوز مستوى الحزب وتلبس جسد الدولة بالكامل وأنه آن الأوان للشعب المصرى أن يسترد الدولة المصرية حتى تكون لكل مواطنيها وليست فى حوزة حزب لا يميزه عن غيره فى ضعفه عن الأحزاب الأخرى سوى أنه أداة السلطة وواجهة الديمقراطية المزيفة التى يضطر النظام أن يتظاهر بوجودها حتى لا يلفظه المجتمع الدولى كما فعل مع نظام موجابى رغم كل ما نعلمه من الحسابات السياسية فى مثل هذه المواقف. يجب أن يفهم الوزراء والمسئولون الفرق بين أنهم أعضاء فى الحزب الوطنى لأن أحداً لايتولى أى منصب إلا إذا كان قيادياً فى هذا الحزب، وبين تسخير وزاراتهم وأجهزتهم لخدمة الحزب وإقصاء غير الأعضاء والمعارضين لسياساته التى أورثت البلاد كل ما يعانى منه الشعب المصرى. فالإعلام ملك الدولة، والاذاعة والتليفزيون والصحف القومية يفترض أن رئيس الدولة هو الذى يضع الضوابط وفق الدستور لإدارتها فلماذا يمنع المعارضون من الكتابة والإطلال على الشعب المصرى بآرائهم من الإذاعة والتليفزيون، ويحصر الكتبة والمتحدثون فيمن يمجدون النظام وينافقونه فيحرمون الشعب من الحق في المعرفة والحق في تقييم الطرفين وعدم احترام الحقيقة. هناك تعليمات بعضها مكتوب وبعضها شفاهة من وزير الإعلام وإدارات الصحف القومية بمنع المعارضين بل والهجوم أحياناً عليهم إذا صدرت التعليمات بذلك من الحزب لمجرد أنهم يحاولون استنقاذ مصر من قبضة جلاديه باشاعة المعرفة والتنوير ورفض هذه الوصاية في المعرفة وتشويه الحقائق وقلبها والرقص علي جثة مصر التي أثق أن ترابها سوف يأبي أن يضم رفات الذين أساؤوا اليها والي شعبها. فاحتل الحزب من خلال الوزير المختص جهاز الوزارة وميز بين أبنائها حسب ولائهم للنظام والحزب دون التفات إلى أن هذا الموقف يجب مكافحته فى القضاء برغم كل شئ وفى الإعلام الآخر حتى يعلم الوزير أنه موظف لخدمة الدولة ويحصل على راتبه من ميزانية الدولة وليس من ميزانية الحزب وبوسع الحزب الوطنى أنه ينشئ حكومة موازية من ماله الوفير الذى فتح الله عليه به من مصادر انهمرت عليه كالمطر لأنه الوطنى والديمقراطى. وفى وزارة التعليم العالى يجب أن يعلم الوزير أن الجامعات الحكومية تتبع الدولة المصرية وليس دولة الحزب وأنه هو نفسه وزير تعليم الدولة وليس وزير الحزب، فكيف يقام معهد إعداد القادة بجامعة حكومية للقاء قيادات الحزب وتسميم عقول الشباب المصرى واختيار من يظنون به الولاء للحزب والسكوت على دماره لمصر وشعبها واحتلاله لها وتخريب عقول أبنائها وإقصاء زملائهم الذين لم يستجيبوا لغوايتهم، ثم يلتقى بهم السيد جمال مبارك القيادى فى الحزب مع كل هذه الانفاقات من ميزانية الدولة وليس من جيب الضيف وماله. وكيف يسمح لمسئول الشباب من الحزب الوطنى أن يقوم بدور وزير شباب الدولة فيفتح المعسكرات لأعضاء الحزب دون غيرهم ممن يسهمون عن بصيرة في هذه المهزلة الكبرى. وكيف يليق بالأمن أن يمنع بعض كبار المفكرين من حضور ندوة فى رحاب جامعة القاهرة، ملك الدولة المصرية، لمجرد أنه صاحب رؤية لا تعجب النظام والحزب وتدافع عن حق مصر في الحرية والاستقلال. إننى لا أكتب للمؤرخين وحدهم ولكن لكل فرد فى هذا الشعب لكى يدرك أن المسؤول الذى يتقاضى راتبه من خزانة الدولة موظف بالدولة مهما كان انتماؤه للحزب الوطنى لكنه ملك لكل أبناء الشعب فيحظر عليه الترويج للنظام. ولعلى أقرب الصورة للقارئ بعقد مقارنة بين مصر الفريدة فى هذا العصر ودولة كبريطانيا مادام النظام يزعم أنه ديمقراطى ويكنى حزبه بهذه الصفة. فحزب المحافظين هو الذى فاز وعين وزارة منه لكنها فى خدمة كل الأحزاب والمواطنين فيدخل الوزارات كل من له مصلحة ويعامل على قدم المساواة دون أى أثر لوجود حزب المحافظين فى السلطة لأن قواعد الديمقراطية تقول أن الحزب نجح الطريق الصحيح لا بالتزوير فى إقناع الشعب بأنه الأقدر على خدمته وله شرف القيام بذلك. أما عندنا حيث لم يتم اختيار النظام أصلا فإنه يعتبر وجوده فى السلطة مكافأة على قهر الناس على وجوده، ولذلك فهو يتلبس جسد الدولة ويقصى كل من لا يسلم له بسياساته، وكل من يعمل لإنقاذ مصر مما هى فيه. المطلوب من كل أبناء مصر إلزام الحزب الوطنى باحترام حقوق الآخر فى دولتهم وليكن شعارنا هو مصر لكل أبنائها وليس لقيادات حزب مهما بدا لهم كبيراً، وعلى الأمن بشكل خاص أن يمثل الدولة ملك كل الشعب وألا يكون أداة لتكريس هذا الفرز المقيت وأن يركز على الأمن العام لا أن يطارد كل من يقول ربنا الله، فالأمن جزء من الشعب وهو أداة الدولة لخير كل أبنائها. كل ما هو ملك للدولة ملك لكل الشعب، وللحزب ما يقع فى أملاكه الخاصة