يحكى أنه وقت بناء الكاتادرائية المرقسية بشارع رمسيس_ فى الستينيات_ قرر استاذ اللغة العربية والدين(الشيخ على قرنى) بمدرسة مكارم الاخلاق الاسلامية بالعباسية أن يخبر تلاميذة ببناءالكنيسة وأن (اخواننا المسيحيين يجمعون تبرعات لبنائها وان الكنيسة بيت من بيوت الله ويجب علينا المساهمة معهم)..وبدأ التلاميذ فى جمع التبرعات ولما اكتمل لهم مبلغا معقولا كون الشيخ على منهم مجموعة ورتب لهم لقاء بصحبته مع البابا كيرلس السادس(بابا المصريين كما كان يدعى)..استقبلهم قداسة البابا بترحاب شديد وقال لهم (إن دينكم دين عظيم وأن أحد دلائل عظمته هو ماتفعلونه الأن) ويحكى راوى القصة أن البابا لاحظ ارتباكنا لعدم معرفتنا كيف نناديه فاقترح علينا أن نناديه(الشيخ كيرلس) فضحكنا جميعا واقترح استاذ اللغة العربيةوالدين أن نناديه (أبونا على) .. كان البابا كيرلس نموذجا للتسامح والمحبةو الالفة والإيلاف والحق ان هذا النموذج كان هو النموذج الأغلب والأعم لكل الأباء وما ترويه الروايات من موقف البابا كيرلس الرابع (ابو الاصلاح) الذى جلس على كرسى البابوية فى الفتره من 1854 الى 1862 والذى قال للقنصل الروسى حين جاء ليعرض عليه ان يكون اقباط مصرفى حماية القيصر الروسى العظيم !!..فسأله البابا هل يموت القيصرالروسى ؟فرد القنصل مندهشا نعم يموت ككل البشر.فقال له غبطة الباب إذن فلماذا أضع نفسى وأهلى تحت حماية من يموت فى حين اننا جميعا فى حماية حى قيوم لا يموت. ما أفهمه من الديانةالمسيحية هو أن أساسها الذى تبنى عليه جميع مبادئها يتركزفى عبارة( الله محبة) فمما جاء فى الكتاب المقدس (ومن لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة..)وجاء أيضا فى انجيل متى انه عندما سئل السيد المسيح عن أية وصيةهى العظمى فى الناموس قال(تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك هذه الوصية الأولى والعظمى والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء)وقريبك هنا تعنى اخاك فى الانسانية وكذلك قال بولس الرسول(من أحب غيرة فقد أكمل الناموس..فالمحبة هى تكميل الناموس)وهذه المحبة تشمل الناس كافه حتى الأشرار والأعداء هكذا قال السيد المسيح فى عظته على الجبل(احبوا أعداءكم باركوا لاعينيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسئون إليكم ويطردونكم)..ويكمل(إن أحببتم الذين يحبونكم فأى أجرلكم أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك ..؟)وجاء أيضا فى انجيل يوحنا(من لا يحب أخاه يبقى فى الموت..كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس..وأنتم تعلمون أن قاتل نفس ليس له حياة ابدية ).. واضح تماما من كل هذه النصوص أن المسيحية تضع مسؤليةكبيرةعلى كاهل المنتمين اليها فلا يعد الشخص مسيحيا حقا إلا إذا امتلأ قلبه بمحبة الله ومحبة الناس جميعا حتى الأشرار والأعداء. ما نراه مؤخرا من سلوك خشن غريب وغير معتاد من بعض اخواننا المسيحيين يجعلنا نندهش ونتساءل عن حقيقة هذه الأوامروالنصائح فى قلوبهم ونفوسهم ..أليست هى محل إيمان ويقين وتوقير منهم؟ ..أليست هى محل تسليم وانصياع منهم..؟وبالتزامهم بها يكونوا(مسيحيين)أولا وأخيرا..فالمسيحية ليست قومية ولاهوية فالجميع هويتهم (مصرية)مسلمين كانوا أم مسيحيين.بل هى دين ودين به من الروحانيه والسموما قد يصعب معايشته وتطبيقه فى الواقع.. ليس بالخشونه المستغربة والصوت العالى والمظاهرات اذن تتحقق المسيحية فى اتباعها بل باتباع وصايا السيد المسيح..المسؤليه الكبرى التى ارتضى بها كل مسيحى لنفسه طالما أمن بها واعتنقها..من أراد أن يغادرها لصعوبة تطبيقها عليه(والجميع يعلم مدى هذه الصعوبة) فليغادرها ولكن لا يعصى وصاياها ويخالف تعاليمها ..نحن نؤمن بالمسيحية كما جاء بها السيد المسيح عبد الله وكلمته. وهى ما نعلمه جميعا من المحبه والصدق والاخلاص والاخلاق الساميه التى قد تصل الى حد (لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الأخر ايضا ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين ومن سألك فاعطه ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده) هكذا قال السيد المسيح ..وهكذا كان حواريية وهكذا كان المسيحيين دائما حتى وقت قريب .. فهل ما نراه الأن فيه من هذه المعانى بقدر ما ينبغى ن يكون..؟ هل ما حكى عنه الاستاذ كمال غبريال من أن(غبطه البابا شنودة كان يتدخل برهبانة فى حياة القرى المحيطة بديره_ دير السريان_ وقت ان كان راهبا تحت اسم انطونيوس السريانى مستخدما العنف بطريقة مفرطة وعنصريةوكأنه قائد كتيبة مقاتلة وليس قائد نساك ماتوا عن العالم مما حدا ببعض مؤرخى الرهبنة الأجانب لأن يأبوا إدراجه فى عداد أباء الرهبنه القديسين )..اضافه الى ذلك أيضا ما قرأناه عن الخصومة اللدودة العنيفة من جانب الراهب انطونيوس السريانى تجاه الأب متى المسكين والتى وصلت الى حد الإتهام بتسميم المياه التى يشرب منها الأب متى المسكين هو ورهبانه . الأب متى المسكين صاحب كتاب(حياة الصلاة الارثوذكسية )الذى ترجم الى الفرنسيةوالانجليزية والايطالية وصاحب كتاب (مع المسيح)_ مجلدات)وصاحب شرح اسفار العهد الجديد فى 16 مجلدا والذى وصف بأنه أحد أهم قادة الفكرالروحى النسكى اللاهوتى الأرثوذكسى فى العالم.. هل هناك رابط إذن بين السلوك الخشن الانفعالى الذى يبدوا هذه الايام من بعض إخواننا المسيحيين وبين طبيعة غبطة البابا كما قال د ميلاد حنا عنه.. وهما من هما فى صحبتهما القديمة الحميمة لبعضهما والتى تحولت الى منافسة على الطموح والارتقاء الاجتماعى..وقلبت الى خصومة . هذا النهج الاستعلائى الذى تتميز به قيادة الكنيسه هذه الايام حذرمنه السيد المسيح (الشعب فى خدمة القادة بدلامن أن يكون القادة فى خدمة الشعب)وهو الأمرالغيرمرشح للاستمرارلأنه خروج عن طبائع الأشياء ومخالف لحقائق الأشياء ومغايرلثوابت الواقع..باعتبارات الزمن أولا..وباعتبارات الطبيعة الروحية السامية للدين المسيحى ثانيا وباعتبارات الحب والوحدة والتكامل التى يحياها المصريون جميعا فى جماعتهم الوطنيه من قديم القديم ثالثا . هذا هوما سيبقى هذا هو ما سيبقى هذا هو ما سيبقى. وسيذهب الجميع يوما ما .