في أحدث كتب الزميل الإعلامي الدكتور ياسر ثابت توقفت كثيرا وقرأت بإمعان شديد الفصول التي تتحدث عن طريقة اختيار الوزراء في مصر. في كل مرة تظهر أسماء مجهولة لا نعرف كيف أتت ولماذا وُزّرت، حتى إلى هؤلاء الذين يتابعون ما يجري عن كثب أو يجلسون قريبا جداً من صانع القرار. أسماء تأتي وتمر كسحابة صيف، وأخرى تثير الجدل والتحفظات. ولأن اليوم لا يختلف كثيرا عن الأمس في أروقة الحكم المصري، لجأ الدكتور ياسر ثابت إلى استقراء التاريخ ومراجعة الأحداث. في كتابه "جرائم بالحبر السري" يبدأ من واقعة ما زالت حاضرة في أذهان الناس. وزير الري الدكتور محمود أبو زيد يخرج فجأة من منصبه في 11 مارس 2009 ولا يؤتى بوزير من داخلها حسبما جرت التقاليد. أُعلن عن تعيين الدكتور محمد نصر الدين علام أستاذ هندسة شبكات الري في جامعة القاهرة وهو خريجها أيضا مثل رئيسه الدكتور أحمد نظيف، وتردد أنهما من دفعة واحدة وبانضمامه أصبح لوبي هندسة القاهرة داخل الحكومة يتكون من نظيف ووزراء الاتصالات والتنمية الإدارية والتعليم العالي والري. أما مشيرة خطاب التي جاءت مع علام وزيرة للأسرة والسكان، فيرى البعض أنها تستمد قوتها من السيدة سوزان مبارك، وكانت مرشحة لتولي وزارة الشؤون الخارجية في حكومة نظيف الأولى في 4 يوليو 2004 لكن اختصاصات تلك الوزارة ضُمت إلى الخارجية، ثم بذلت مشيرة مجهودات لضم أختها الدكتورة مديحة من خلال التعديل الذي أجراه نظيف في ديسمبر 2005 معيّناً حاتم الجبلي وزيرا للصحة بعد أن استقبل 8 شخصيات لتوليها بينهم مديحة. رياح رجال الأعمال هبت على حكومة نظيف الثانية التي دخلها كل من زهير جرانة الذي يمتلك وأسرته شركة سياحية كبرى ومجموعة من الفنادق، ووزير النقل (السابق) محمد لطفي منصور وكيل عدة شركات أبرزها جنرال موتورز في مصر، وحاتم الجبلي الذي يمتلك أكبر المستشفيات الاستثمارية المصرية "دارالفؤاد" ووزير الزراعة أمين أباظة الذي يعد من أكبر مصدري القطن المصري وظل رئيسا لاتحاد مصدري القطن حتى 2005. هؤلاء أيضا أبناء أسر معروفة، وبعضهم أبناء وزراء سابقين، ناهيك عن وزير التربية والتعليم الحالي محمد زكي بدر ابن وزير الداخلية الأسبق.. فزهير جرانة حفيد زهير جرانة باشا الوزير سابقا في عهد الملك فاروق، وحاتم الجبلي ابن وزير الزراعة الأسبق مصطفى الجبلي، وأمين أباظة سليل الأسرة الأباظية الشهيرة وزوجته عمها الدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والأمين العام للحزب الوطني السابق، أي أن حكومة نظيف الثانية ضمت أبناء ثماني عائلات عريقة في مقدمتها عائلات أباظة ومحيي الدين (الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار) وغالي (الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية). إضافة إلى رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة وأحمد المغربي وزير الإسكان الذي كان مسئولا عن حقيبة السياحة في التشكيل السابق، وشغل قبل دخوله الوزارة منصب المدير المسئول عن منطقة الشرق الأوسط وآسيا وشمال أفريقيا في شركة يونيلفر العالمية التي تعمل في الصناعات الغذائية والمنظفات. أحمد المغربي الذي تثار حوله ضجة حاليا بشأن جزيرة آمون في أسوان شغل منصب وزير السياحة في حكومة نظيف الأولى ويحمل الجنسيتين السعودية والمصرية. في ظل تشابك المصالح وشبكة المصاهرة والقرابة، تبدو الصورة أكثر تعقيدا من مجرد الحديث عن رجال أعمال في مواقع السلطة. ابنة رشيد محمد رشيد تزوجت في عام 2006 من "أمين" نجل رجل الأعمال السعودي البارز عاكف المغربي وهو شقيق الوزير أحمد المغربي الذي هو ابن خالة محمد لطفي منصور وزير النقل السابق. ولا يقتصر الأمر على القرابة فقط وإنما تجاوزه إلى الشراكة في الكيان الضخم "المنصور والمغربي" الذي يجمع سلسلة شركات في مجالات كثيرة، وهنا نتوقف أيضا عند جزيرة آمون في نهر النيل حيث باعتها شركة مصر – أسوان مع فندق وبعض المباني الواقعة فيها إلى شركتهما "بالم هيلز" ب80 مليون جنيه فقط وهو البيع الذي أوقفه الرئيس مبارك مؤخرا وتثار حوله ضجة إعلامية كبيرة حاليا. لم يكن هناك صعيدي واحد داخل حكومة نظيف، فقد جاء أغلب أعضائها من المنوفية والقاهرة والدقهلية والأسكندرية. والشاهد أن الانتماء للقربى ونظرية أهل الثقة بدلا من الخبرة هي الحاكمة في الاختيار. وحتى لا نظلم عصر مبارك فإن ذلك ليس قاصرا عليه وحده حيث يذكر الدكتور ياسر ثابت أنه في عهد عبدالناصر كان علي صبري رئيسا للحكومة وابن خالته سيد مرعي وزيرا للزراعة، ومحمد فائق وزير الإعلام كان متزوجا من ابنة الأول، وسعد زايد وزير الإسكان وحلمي السعيد وزير الكهرباء كانا متزوجين من ابنتين لمرسي فرحات الوزير الوفدي في العهد الملكي، وشقيق السعيد كان متزوجا من سامية شعراوي جمعة ابنة وزير الداخلية الأخير في عهد عبدالناصر، ومحمود رياض الذي كان وزيرا للخارجية له صلة قرابة بمحمد فوزي وزير الحربية وقريب زوجة سامي شرف سكرتير عبدالناصر. وتزوجت ابنة عبدالناصر "منى" من أشرف مروان مدير مكتبه والسكرتير الخاص للسادات فيما بعد، وتزوج خال مروان من ابنة سمير فهمي رجل الاقتصاد والخبير البترولي ووالد سامح فهمي وزير البترول في حكومة نطيف. وفي عهد السادات.. حرم عزيز صدقي رئيس الوزراء الأسبق، هي ابنة خالة زوجة طلعت سميح وزير العدل السابق في عهد عبدالناصر، وابنة السادات الثانية تزوجت من ابن سيد مرعي الذي صار في عهده رئيسا للوزراء ولمجلس الشعب، وابنته الثالثة تزوجت من ابن عثمان أحمد عثمان وزير الإسكان ونائب رئيس الوزراء ومؤسس شركة "المقاولون العرب". أي أن السلطة في مصر عائلية بامتياز. وغدا نستكمل الخارطة.. [email protected]