ونواصل الرحلة مع حيثيات حكم محكمة النقض التاريخي في بيان "كفر وردة" نصر حامد أبو زيد ، بالتفصيل الكامل ، بعد قراءة كتبه وسماع دفاعه ، تقول المحكمة : وإذ خلص الحكم المطعون فيه على ما حصله مما ورد بأبحاث الطاعن الأول التى - لم ينكر صدروها عنه - أن ما عناه بمدلول النصوص على النحو الذى ذكره بها - نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وأن آراءه التى ضمنها مؤلفاته وأحصى الحكم بعضاً منها بمدوناته هى من الكفر الصريح الذى يخرجه عن الملة بما يعد معه مرتداً عن الدين الإسلامى ويوجب التفريق بينه وبين زوجه ، وكان هذا الاستخلاص سائغاً وله معينه من الأوراق وسنده من الأحكام الشرعية ويؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها ويكفى لحمل قضائه ، وفيه الرد الضمنى المسقط لكل دليل أو حجه مخالفة ، وحسبه أن يضمن مدوناته بعضاً مما صرح به الطاعن الأول ليستدل به على ثبوت ردته طالما أنه قد ألم بآرائه التى أنطوت عليها مؤلفاته عن بصر وبصيرة. .. إن من المقرر شرعاً أن الردة تثبت بالإقرار أو البينة الشرعية والإقرار هو إعتراف شخص بواقعة من شأنها أن تنتج ضده أثاراً قانونية بحيث تصبح فى غير حاجة إلى الإثبات بدليل أخر وينحسم به النزاع فيما أقر به ، وهو حجة على المقر لأن فيه معنى الالتزام إختياراً ، ويصدق الإنسان فيما يقر به على نفسه لأنه لا يتهم فى الكذب على نفسه فصارت شهادة المرء على نفسه أقوى من شهادة غيره عليه ، وقد اعتبر القرآن الكريم الإقرار فى إثبات الكفر فى قوله تعالى" وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين " ، والإقرار كما يكون باللفظ الصريح يجوز أن يستفاد من دلالة التعبير ، ولما كان ذلك- وكان الطاعن الأول قد اقر بأنه هو الذى صنف المؤلفات المنسوبة إليه ولم يجحدها كلها أو بعضاً منها وإذ استقى الحكم المطعون فيه منها الدليل على رجوعه عن الإسلام على نحو ما سلف ، إذ ورد بها ما يدل على الكفر الصريح الذى يخرجه عن الملة ورتب على ذلك الإقرار الذى توافرات شروطه الشرعية قضاءه بالتفريق بين الطاعن الأول وزوجه باعتبار أن ذلك من الآثار التى توجبها أحكام الردة ،فإنه يكون قد التزم الأحكام الشرعية المقررة فى هذا الشأن ، بما لا حاجة معه من بعد إلى تطلب إقامة البينة الشرعية على ردته . ..إنه ولئن كان الأصل أن الاعتقاد الدينى من الأمور التى تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان ،ولا يجوز البحث فى جديتها ولا دواعيها أو بواعثها ، والنطق بالشهادتين كاف لاعتبار الشخص مسلماً ،إلا أن الإسلام كل لا يتجزأ ولا يصح الإيمان ببعضه والكفر ببعضه الآخر ، فإذا صدر عمن نطق بالشهادتين قول أو فعل يخرجه عن الملة على نحو ما سلف ، فإنه يكون مرتداً لإظهاره الكفر بعد الإيمان وإن ادعى بأنه مسلم . فلا عبرة بالنطق بالشهادتين ما لم يراع الناطق بهما ما لهما من حق وما يترتب عليهما من أثر إيمانى عقدى ، فالإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل والدولة عقيدتها الإسلام ، وهذا ما ينص عليه الدستور فى المادة الثانية منه من أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ، وكل النظم الوضعية تقرر عقوبات وتدابير إزاء الأفعال التى تتعارض مع أسس قيامها ، وارتداد المسلم عن الإسلام ليس أمراً فردياً –يمكن أن تتسامح فيه شريعة الإسلام ودولته كحق من حقوق الأفراد لاسيما إذا كان هذا بالدعوة علناً بالنشر أو التدريس إذ أن الخروج عن الإسلام ثورة عليه ولابد أن ينعكس ذلك على ولاء الفرد للشريعة والدولة وعلى روابطه مع المجتمع ، وهذا ما لا يتسامح فيه قانون أو دولة ، ولذلك تبيح الشريعة وسائر الدساتير والقوانين حرية الرأى بالضوابط التى تمنع من العدوان وإساءة استعمال الحق ، فليس من حق أى فرد أن يدعو إلى ما يخالف النظام العام أو الآداب أو يستخدم الرأي وسيلة للنيل من الأسس التى يقوم عليها المجتمع أو امتهان المقدسات أو السخرية من الإسلام أو أى دين سماوى ، ذلك بأن الدستور يكفل فى المادة 47 منه حرية الرأى فى حدود القانون ، فحرية الرأى تكون وفقاً للضوابط والحدود التى يسمح بها النظام الأساسى للدولة والقواعد التى يقوم عليها هذا النظام وفى صدارتها أحكام الشريعة الإسلامية ، ولو أنه احتفظ باعتقاده فى سريرة نفسه دون الإعلان عنه تلقيناً لطلبته وطبعه ونشره ، فأن الشريعة لا تفتش فى مكنون النفس ولا تشق قلوب الناس ولا تنقب فى سرائرهم ، لأن ذلك متروك لله وحده ، إلا أن الجهر بالسوء من القول طعناً فى عقيدة المجتمع والدعوة إلى ازدرائها يتصادم مع النظام العام وهو ما لا يقره أى تشريع أو نظام ... انتهى النقل . هكذا جاءت كلمات قضاة مصر ، بل شيوخ قضاتها الأفذاذ ، في فضح كذابي الزفة والمضللين من الذين هللوا لنصر حامد أبو زيد ، وحاولوا تقديمه للناس بوصفه مفكرا إسلاميا ومجددا ، وبعضهم اعتبره من أولياء الله الصالحين!! وقال أنه كان قبل موته يحدث الله جل وتنزه عن السفاهة والسفهاء ، أتت كلمة محكمة النقض ، قمة قضاء مصر ودرة جبين العدالة فيها ، لتعلن "عنوان الحقيقة" في قضية نصر حامد أبو زيد ، مجرد مرتد عن الإسلام ، كافر بالله واليوم الآخر ، طاعن في كتاب الله ، وهازئ نبيه ، مكذب بنبوته ، وضال مضل ، فاسد مفسد ، وما كنا نحب أن نعود لهذا الملف بعد وفاته ، رغم أن القواعد العلمية والأدبية تكفل حق نقد المفكر وأفكاره بغض النظر عن موته أو حياته ، ومع ذلك عزفنا عن التوقف عندها الآن ، لولا أن البعض أرادوا أن يعاودوا التضليل من جديد ، فكان لزاما علينا أن نذكرهم ونذكر الرأي العام ب"عنوان الحقيقة" . [email protected]