اطلعت على كل التعليقات التي تناولت واقعة اعتقال مدير مكتب الجزيرة بالقاهرة ، بما فيها تصريحاته التي أدلى بها لبعض الصحف ، وهي قليلة ، فضلا عما أذاعته قناة الجزيرة ، ومداخلات البعض من القاهرة سواء من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين أو من قبل كبار المسؤولين بالحزب الوطني . حاولت أن أجد شيئا يتحدث عن "المصدر" الذي استقى منه الزميل العزيز حسين عبد الغني ، الخبر الذي نقله إلى مقرها الرئيسي بالدوحة واعتقل بسببه .. خبر وقوع هجوم مسلح على كمين شرطة بمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية . اتصلت ب عبد الغني .. للاطمئنان عليه أولا ولابداء تضامني معه ثانيا ، وجرى بيني وبينه حوارا طويلا ، كان الزميل العزيز مصدوما من أن تحقق معه نيابة أمن الدولة كأنه "إرهابي" أو "تاجر مخدرات" ! وكانت صدمته أكبر عندما قيدت القضية "أمن دولة" !. ومن حق الصديق العزيز ومن حق كل المصريين أن يصدموا ، ويدهشوا من سرعة تحرك النيابة العامة ، واصدار قرارها باعتقال صحفي لأنه نشر "خبرا" رأته أنه "غير صحيح" فيما تتحرك جحافل الأمن وبسرعة لاعتقاله ، ليجد نفسه في غمضة عين أمام نيابة النزهة في مصر الجديدة ، فيما لم تتحرك سلطات التحقيق للقبض على من قتل أكثر من 1000 مصري ، ويتركونه يمر بسهولة ويسر وربما فتحت له صالة كبار الزوار في مطار القاهرة الدولي ، الذي تسيطر عليه وزارة الداخلية .! قال لي عبد الغني إن الخبر الذي "أزعج" السلطات ، لم تكن الجزيرة وحدها الذي نشرته ، وإنما أذاعته وكالات أنباء أجنبية وعلى رأسها رويترز البريطانية . وأنا بنفسي شاهدته على مواقع الانترنت منسوبا فعلا ل رويترز ، وليس للجزيرة ، ومع ذلك اعتقل الصحفي المصري لأنه ليس من ذوي العيون الزرقاء والشعر الأشقر .. فيما لم يُمس صحفي الوكالة البريطانية لأن "الحاجب" هنا أعلى من "العين" ! لقد توقعت أن يكون ثمة مخطط لتوريط الجزيرة في خبر"كاذب" يتخذ ذريعة لاعتقال مدير مكتبها في القاهرة ، توطئة لمنعها من تغطية وقائع محاكمة المستشارين محمود مكي وهشام البسطويسي ونقل تفاصيل "الحرب" الضروس التي شنتها قوات الأمن على القوى السياسية التي احتشدت لمساندة القاضيين الإصلاحيين ، ولعل ذلك ما حملني على أن أتأكد بنفسي من زميلي الأستاذ حسين عبد الغني ، الذي أوضح لي أن "التواتر" أكد صحة الخبر فضلا عن أن البيان الرسمي الصادر من وزراة الداخلية ليس مقدسا ، فعادة البيانات الرسمية تخفي أكثر مما تظهر من حقائق وضرب لي الكثير من الأمثلة التي شهدتها دول كبيرة في العالم وعلى رأسها الولاياتالمتحدة . كلام عبد الغني معي كان واقعيا ومنطقيا وصدقته ، غير أنه اتفق معي في أن السلطات المصرية ، استغلت ذلك حقا ، وتذرعت به لحرمان الملايين في العالم من مشاهدة مسلسل السحق البوليسي للمعارضة وسط القاهرة ، عبر واحدة من أهم وأكثر القنوات الفضائية مشاهدة في العالم العربي . في أقل من أسبوع وقعت مايعتبره السياسيون العقلاء "حماقات" كبيرة ، لاتصدر إلا من قيادة مرتبكة ، اطلقت العنان لتصرفاتها غير مدركة لخطورتها أو عواقبها . هذا الارتباك وهذا التوتر والعصبية في إدارة الخلافات الداخلية ، يؤكد أن هذا العام كما قال الاستاذ هيكل هو عام الحسم ، وينبئ بأيام صعبة وأن البلد تتجه نحو حالة من الصعب التكهن بتحديد معالمها على وجه التحديد ، سيما وأن المفاجئات ربما لم تترك للعقل فرصة للمراجعة أو ضبط النفس . [email protected]