يبدو أن أمريكا حسمت ترددها الطويل، وقررت تشكيل تحالف دولي لمعاقبة الأسد الكيماوي. بدون أمريكا يصعب معاقبة أي حاكم مجرم، أو مارق يعيش خارج الحضارة والإنسانية. تظل أمريكا هي قائدة العالم بلا منازع، وتظل هي القوة العسكرية التي يُعمل لها ألف حساب، ومن يزعمون أن صعود روسيا والصين لمنافستها، أو التغلب عليها، لتحل واحدة منهما محلها في قيادة العالم لديهم خيال واسع، فهذا الأمر مازال بعيد الأمد، فالروسي حليف سفاح دمشق الذي يدعمه بكل السبل، ويحميه من العقاب الدولي داخل مجلس الأمن عندما استشعر جدية التهديدات بضرب الأسد قال لن نتدخل في الحرب، والصيني الحليف الثاني يلتزم الصمت كعادته عند اللحظات الحاسمة وينتظر الفائز في النهاية ليقف معه. وما دمنا نتحدث عن تحالف الشر، فإن إيران الحليف القريب الوثيق والأكثر تضررا من ضرب أو سقوط الأسد لا يملك غير التحذير، وستكون كمن يطلق النار على قدميه لو ارتكبت أي حماقة هي، أو ميليشيا حزب الله التابعة لها، فإسرائيل أعلنت استعدادها للتعامل بقوة مع أي تهديد محتمل لها من جانب حزب الله كنوع من الرد على العقاب الدولي للأسد، ومحاولة افتعال حرب إقليمية لتوريط أمريكا وفرنسا وبريطانيا فيها، وإيران تعيش وسط بحر من الرفض والكراهية لها صنعته بنفسها بسبب ممارساتها واستعلائها وطائفيتها وتآمرها على العرب. حلفاء المجرم الثلاثة يبدون متخاذلين عن نجدته، ورطوه في مجزرة طويلة، واليوم يتركونه يواجه مصيره سواء كان العقاب محدودا، أو واسعا، لكن ما قبل الضربة العسكرية المتوقعة في أية لحظة قادمة لن يكون كما بعدها، فقد حانت نهاية الطغيان الذي طال كثيرا جدا، ويدفع ثمنه ألوف الأبرياء منذ عامين ونصف العام. العرب المخلصون فعلوا الكثير إنسانيا و سياسيا وعسكريا بمساعدة وإغاثة الشعب السوري في بلدان اللجوء، وفي الداخل، ودعم الجيش الحر، ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل سلما، أو حربا لإنقاذ الأبرياء، لكنهم لا يستطيعون الذهاب أبعد من ذلك كالقيام بعملية عسكرية، وعندما طرح يوما زعيم عربي مخلص إرسال قوات عربية لحفظ السلام والأمن والفصل بين المتقاتلين خرج العرب الآخرون المتواطئون والداعمون للحاكم المتوحش ليقولوا إن هذا غزو عربي، وإنه لابد من حل سياسي مع علمهم استحالة الحل السياسي مع تلك العصابة، بل هذا الحل وعلى طريقة حلفاء الأسد هو الجدل العقيم لاستهلاك الوقت لتمكينه من إسكات الثورة والمعارضة وذبح الشعب حتى يبقى متحكما في سوريا مدمرا ومخربا لها مغيرا هويتها العربية إلى هوية فارسية، وتحويل الشام إلى ملحق تابع للإيراني الفارسي، والروسي المافيوي. في النهاية لابد من أمريكا لتأديب الأنظمة الطغيانية العسكرية التي تذيق شعوبها الويلات في العراق وليبيا سابقا، واليوم في سوريا، مع تفهمنا للمآل الخطير الذي وصل إليه العراق بسبب تهور الجمهوريين وافتقادهم لخطة لبناء عراق ديمقراطي حقيقي بدون طائفية ولا مذهبية ولا محاصصة بعد احتلاله وبسبب رغبة كيانات عراقية ثأرية هدفها بعث الطائفية وإعادة التاريخ إلى الفترة الكربلائية . لن نكون سعداء بانهمار صواريخ "كروز" و"توما هوك" على عاصمة الأمويين، لكن من هو الذي ضغط على الزر لتنطلق ؟، إنه الأسد بدمويته، وباستخدامه للكيماوي، وهو خط أحمر كما قال أوباما الذي وجد نفسه في موقف صعب أمام شعبه، والمعارضة الجمهورية، والعالم، ولو لم يتحرك فإن أمريكا ستفقد مصداقيتها ونفوذها في مناطق كثيرة، فكان لابد أن يغير سياسته بعدم الانجرار إلى مناطق صراعات وحروب خارجية جديدة، والانكفاء في الداخل لحل الأزمات المعقدة، ولكنه قدر أمريكا، فلابد من قوة قاهرة تضبط الموازين أحيانا، وتنصف المظلومين في أحيان أخرى، ولو تميزت تلك القوة القاهرة بالعدل أيضا في القضية الفلسطينية لصار ذلك أمرا مقدرا وعظيما. أخيرا سيتدخل أوباما ومعه تحالف دولي لأن العالم لا يستطيع السكوت على من يستخدم الكيماوي ضد شعبه، فهي جريمة دنيئة، ولابد من الرد عليها، وإلا لصار استخدام هذا السلاح المحرم أمرا عاديا. هاهو طاغية عربي آخر يدمر بلده، ويقتل شعبه، إرضاء لنزواته في الحكم، واليوم يفتح بنفسه الباب لحملة عسكرية ضده ستضيف مزيدا من التدمير لسوريا، أمثال هؤلاء الحكام المتخلفين الذين يعيشون خارج الزمن هم وبال على شعوبهم وبلدانهم ، والخلاص منهم ضرورة قصوى. ليأخذ النظام في مصر حذره، فهو يقود البلد للعسكرة، ويحكم بقبضة الأمن، وليس بعقل السياسة، ويكسر الخصم، وفي عهده تسيل دماء كما لم تسل من قبل، وتشيع أجواء من الخوف والرعب لدى أصحاب الموقف والرأي من مختلف الاتجاهات بعد أن كنا تصورنا أننا غادرنا هذه الحالة للأبد بعد ثورة 25 يناير. لا أحد في منعة من العقاب الدولي عندما ينفرد بشعبه، وينكل به، فالشعوب ليست فرائس لحكامها تفعل فيها كما تشاء، وليست رهينة لسياساتهم عندما تخرج عن القانون والإنسانية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.