تأخر العالم الحر كثيرا في معاقبة الأسد. دماء ألوف الأبرياء طوال عامين ونصف العام في رقبة أوباما أكثر من غيره لأن أمريكا الدولة التي يرأسها هي الوحيدة القادرة على القيام بهذه المهمة الإنسانية بمفردها، أو مع تحالف دولي عربي إسلامي. لا يجب ترك هذا القاتل طليقا أكثر من ذلك يبيد السوريين بالسلاح التقليدي والكيماوي، وينشر الإرهاب في لبنان، ويتوعد الأردن، ويهدد بحرق الشرق الأوسط إذا اقترب أحد منه. كفى تواطؤا على دم السوريين، وخذلانا لهم، فهم بشر مثل كل البشر على الأرض يحتاجون لأكثر من تعاطف أصحاب القلوب الرحيمة والضمائر الحية على الأرض لإنقاذهم من المجزرة التاريخية. روسيا والصين وإيران وأذنابها وهم حلفاء الأسد لن يستطيعوا أن يفعلوا له شيئا إذا بدأت عملية جادة لتأديبه على طريقة إسرائيل، فهي الوحيدة التي تجيد ذلك حيث تنطلق طائراتها تمرح في سماء نظام الممانعة كما تشاء تضرب وتعود آمنة مطمئنة ثم يخرج البيان الرسمي التقليدي متحدثا عن ضبط النفس والاحتفاظ بحق الرد. هذا الحاكم وشبيحته أوهن من بيت العنكبوت، هم يتوحشون فقط على شعب أعزل لم يستسلم أمام كل هذه الوحشية التي لم تعرفها البشرية، كما يتوحشون على الجيش الحر الذي هو مجموعات من الهواة يقاتلون بأسلحة خفيفة لا تقارن مع آلة عسكرية ضخمة في حوزة العصابة، ومع ذلك يسجلون انتصارات مهينة لقوة الأسد الجبارة ويتقدمون ويسيطرون على أكثر من 60 % من الأراضي. وأمام تلك العزيمة التي لا تلين من شعب مظلوم يتعرض لحرب إبادة جماعية فإن النظام يفشل في تحقيق ما يسميه الانتصار على من يصفهم بالمجموعات الإرهابية المسلحة، وأمام إخفاقه بعد تلك الحرب الطويلة فإنه يستخدم الآن وبشكل أوسع وأجرأ الأسلحة الكيميائية لتوسيع الإبادة، فبدلا من مائة ومائتين من القتلى في اليوم بالسلاح التقليدي يريد أن يكون الضحايا بالألوف، لكن السوريين نزعوا الخوف من الموت من قلوبهم، ومع ذلك فالعالم مطالب بأن يحميهم ويحافظ على حياتهم وينقذهم من الموت. نظام الأسد جبان لا يستطيع مواجهة قوة مساوية له ولا حتى أقل تسليحا منه، فما بالنا إذا كانت هناك قوة تتفوق عليه، ولذلك هو يُضرب ويُذل ويُهان من إسرائيل ولايجرؤ أبدا على الرد، ولولا التخاذل الدولي الصريح لما كان بقي أشهرا أمام الثوار والمسلحين ومن دون تدخل عسكري مباشر من العالم، كان يكفي فقط تسليح الجيش الحر تسليحا نوعيا متقدما ولو حصل ذلك لكان انتهى أثره منذ وقت طويل. فهو قبل أشهر كان قد صار منهكا وبدأ يترنح وجنوده يفرون والقرى والمدن والمعسكرات تسقط من قبضته فاستدعت إيران حزب الله ومقاتلين شيعة من العراق واليمن بجانب عناصرها المسلحة لإنقاذه وجعله يقف على قدميه. واليوم وبمجرد أن جرى حديث سياسي عام غير جدي حتى الآن بمعاقبته إذا ثبت استخدامه للكيماوي، وتم الإعلان عن إجراءات مثل نشر أمريكا مدمرة رابعة مجهزة بصواريخ كروز في البحر المتوسط، وقيام أوباما بعقد اجتماع مع فريقه الأمني لبحث كيفية الرد ، واجتماع آخر لرؤساء هيئات أركان دول أجنبية وعربية في الأردن لبحث التداعيات والوضع في سوريا، وهي وغيرها مجرد تحركات لا تعني أن هناك ضربات وشيكة ومع ذلك فإنه وحليفه الإيراني أصيبا بالرعب وسارعا باتخاذ عدة مواقف تعكس تراجعا في تصلبه وعناده وتحديه فقد كرر اتهامه للمعارضة بأنها هي من استخدمت الكيماوي، وفضلا عن كونه يعترف بعد إنكار بحصول تلك الجريمة، فإنه بهذا القول يحاول النجاة في لحظة الجد، كما عاد ليؤكد أنه لم يستخدم على الإطلاق السلاح الكيميائي، ثم تقوم إيران نيابة عنه باعتبارها الوصي عليه بنقل موافقة الأسد السماح للأمم المتحدة بتفتيش مواقع الهجوم بعد أن كان يتجه للمماطلة وشراء الوقت والتهرب كالعادة لتمويت الجريمة، وطبيعي أن تحذر إيران من توجيه ضربات لحليفها، وهو كلام لن يجدي إذا ما قرر الأمريكان ضرورة إنزال العقاب. هذا النظام والتحالف الذي يدعمه، طغى وتجبر عندما وجد الدول العربية والإسلامية لا تملك سوى الإدانة، وبعضها متواطئ، وأخرى تدعمه سرا وعلنا، وللإنصاف هناك بلدان عربية تسعى جاهدة لإنقاذ السوريين بكل وسيلة لكنها قليلة، وقد ازداد طغيان هذا الحلف لما وجد الغرب وخصوصا أمريكا غير جادة في التحرك مكتفية فقط بترديد عبارات الإدانة ومطالبة الأسد بالرحيل. وسلوك أوباما المتردد والمتراخي منح بوتين فرصة تاريخية ليدشن نفسه زعيما عالميا، ويعيد جعل روسيا قوة عظمى مناوئة ومعطلة لأمريكا. لقد حانت لحظة اختبار مهمة للرئيس الأمريكي لتصحيح موقف لا يليق بمكانة دولته، وهناك بلدان كثيرة جاهزة للوقوف معه وتقديم كل أشكال الدعم لإنهاء سفك الدماء بالسلم أو بالحرب، وإذا تدخل فلن تجرؤ روسيا أو إيران على فعل أي شيء لعصابة دمشق سوى التنديد الكلامي. عاقِبوه، وإلا، لو نجا من تلك الجريمة الكبرى فإنه سيزداد وحشية على شعبه، وعلى المنطقة كلها، وعلى الأمريكان والأوربيين أنفسهم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.