عندما اعرض امين عام حزب العمل المصري المعارض الصحافي عادل حسين رحمه الله عن "الماركسية" ، واتجه نحو تبني وجهة النظر الإسلامية ، فى الفكر والاقتصاد والسياسة ، كان من المفترض أن يحترم دعاة التنوير في مصر رغبة حسين واختياره ، نزولا على إعلاء قيم حرية الاعتقاد ، التي يدعي التنويريون انهم الحرس التقليدي لها . غير أن مجلة روزاليوسف ، والناطقة بلسان حال "التنوير" والتقدمية فى مصر ، قررت طرد "حسين" من جنة الاستنارة ، وعقدت العزم على أن تقيم عليه حد الردة ، عقابا له على "كفره" بالماركسية ، إذ دأب صحفيو المجلة وكتابها على أن يطلقوا عليه لقب "مثقف سابق" ..!! هكذا وبجرة قلم لم يعد حسين مثقفا ، من وجهة نظر منتحلي التنوير ، بمجرد انه اختار وبمحض إرادته أن ينحاز إلى المشروع الحضاري الإسلامي ..! أثناء متابعتي للازمة الناجمة ، عن قرار وزير الثقافة المصري ، إقالة عدد من معاونيه ، بعد أن أجازوا نشر ثلاث روايات ، وصفت بأنها "كتابات رخيصة و أنها تتضمن ما يخدش الحياء العام" وذلك عقب أزمة وليمة لأعشاب البحر عام 2000 لاحظت وكأن عناوين الصحف (خاصة تلك التي تتعاطف مع ما يسمون بالتنويريين ) ، و التي تابعت تفاصيل الأزمة ، سواء كانت صحفا مصرية او عربية تصدر بعيدا عن القاهرة ، تريد إيصال نفس الرسالة، إذ جاءت العناوين على النحو الذي يستنكف ، إطلاق صفة "مثقف" على كل من هو "إسلامي" ، مثل ( المثقفون يواجهون الإسلاميين والحكومة في مصر) ولا شك في أن الصياغة على هذا النحو ، تعني أن الإسلاميين ليسوا مثقفين !! ومن اللافت أيضا أن جل هذه الصحف وفى سياق استعراض مظاهر الاحتجاج ، على قرار إقالة رئيس هيئة قصور الثقافة فى في ذلك الوقت حرصت على أن لا تستخدم كلمة " "مثقفون" أو "بعض المثقفين أو عدد من المثقفين " ، وهو الاستخدام الذي ينقل بأمانة حجم الاستقطاب ، الذي خلفته الأزمة ، في المشهد الثقافي المصري ، غير أنها بدلا عن ذلك دلفت إلى إضافة " الألف واللام" لنقرأ العنوان على هذا النحو وكما ورد فى إحدى الصحف العربية الكبرى " المثقفون يقاطعون معرض القاهرة الدولي للكتاب " ، ولاشك في أن الدلالة التي تشير إليها كلمة "مثقفون" ،تختلف تماما عن المعنى الذي تفصح عنه الكلمة معرفة ب"اللام والألف" المثقفون فالأولى تعنى الجزء ( أو البعض ) ، أما الثانية فإنها تعني الإجماع ، هذه الصياغة لتكرارها وبشكل لافت في اكثر من صحيفة لم تكن عفوية وانما كانت مقصودة وبوعي ، يتوسل الإيحاء بان ثمة إجماعا بين المثقفين المصريين ، على إدانة قرار الإقالة، وان الدنيا في مصر "مقلوبة" بسبب استبعاد أحد المشرفين ، على إصدارات وزارة الثقافة ، وواقع الحال على غير ذلك تماما ، فالذين اعترضوا على قرار الاستبعاد أو على مصادرة الروايات الثلاث، هم في الحقيقة "قلة" وهناك قطاعات واسعة من المثقفين اللامعين والمؤثرين فى الحياة الثقافية المصرية ، لم تشارك تلك "القلة" اعتراضاتها ، فضلا عن أن الحدث الأخير ، لم يصب المشهد الثقافي المصري بحجم الاستقطاب نفسه الذي خلفته رواية "وليمة لإعشاب البحر" ، إذ ان الأخيرة دفعت بالمجتمع الثقافي وكذلك السياسي فى مصر ، ليعيش حالة فرز ومراجعات غير مسبوقة للولاءات والأفكار ، لم ينج منها حتى حزب العمل وصحيفته "الشعب" التي فجرت الأزمة 0 وفى هذا السياق فإننا لا ندري ، ما إذا كانت هذه الثورة وهذا الغضب من مصادرة الروايات الثلاث ، يعبر عن موقف مبدئي وثابت من قضايا الحريات وعلى رأسها حرية الرأي ، أم انه موقف يخفى ورائه العمل بمبدأ "الكيل بمكيالين"؟! إننا قد نتفق أو نختلف مع أي عمل فكري وسياسي أو إبداعي أو مع أية صحيفة في العالم ، ولكن لا يدفعنا اتفاقنا الى أن ننزل هذا العمل منزلة التقديس أو العصمة ، كما انه لا يحملنا خلافنا معه على أن نبتهج أو نوافق او أن نصمت على مصادرته ( إذا كان عملا إبداعيا حصيفا) أو على إغلاقه (أن كان صحيفة أو مجلة ) ، بيد أن هؤلاء الذين يملئون الدنيا آنذاك صراخا وعويلا على "حرية الرأي" ، التي تصادرها وزارة الثقافة بحسب زعمهم التزموا الصمت إزاء إغلاق جريدة الشعب المصرية المعارضة (بالضبة والمفتاح ) ، ، وما ترتب علي قرار الإغلاق من نتائج بالغة القسوة مثل قطع ارزاق ما يزيد على ستين صحافيا ، جميعهم بلا شك مثقفون واصحاب رأى ، ومن بينهم أدباء وشعراء ونقاد ومبدعون ، فلماذا إذن لم يغضب "التنويريون" لهؤلاء الضحايا من مثقفي "الشعب" ، والتي لازالت أزمتهم قائمة حتى هذه اللحظة ، رغم حصول صحيفتهم حتى ذلك الحين على أربع أحكام قضائية نهائية وواجبة النفاذ لصالحها حصلت بعدها على 14 حكما فيما اشطاطوا غضبا وشرعوا فى ابتزاز النظام وتهديده بمقاطعة معرض القاهرة الدولي للكتاب ، وتحريض مبدعين ومثقفين عرب آخرين ، على أن يشاركوهم حملتهم ،لمجرد ان موظفا بوزارة الثقافة ، قررت الأخيرة إعفائه من منصبه؟! . وللحديث بقية السبت المقبل إن شاء الله تعالى [email protected]