حملت نتائج انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى المصرى (يونيو 2010) دلالات هامة وخطيرة، ليس فقط أرقام النتائج، ولكن الطريقة التى تم بها إجراء الانتخابات والإخراج العجيب الذى ظهر به أول استحقاق هام فى سلسلة من الاستحقاقات الانتخابية خلال العامين القادمين تنتهى بالانتخابات الرئاسية 2011م ألغت وزارة الداخلية المصرية عملية الانتخابات تماما،ولم يشعر أحد بوجود اللجنة العليا للانتخابات، ولم يجد المرشحون أحدا ينافسهم من الحزب الوطنى، وقام رجال امن الدولة وضباط الامن بتزوير فج وفاضح وأعلنت على لسان "اللجنة العليا للانتخابات" نتائج مغايرة تماما لما حدث فى الواقع، بل نتائج لا يمكن لعقل متوسط الذكاء قبولها حيث حصل بعض المرشحين أو معظمهم على عدد من الأصوات لم يحصل عليه أى مرشح أو مجموعة من المرشحين فى انتخابات تنافسية شديدة مثل انتخابات مجلس الشعب 2005م، بل لم يحصل على كمية الأصوات المعلنة السيد رئيس الجمهورية نفسه فى انتخابات الرئاسة السابقة. تم منع إصدار توكيلات لمندوبى ووكلاء المرشحين، ولم تعترف الداخلية بتوكيلات صادرة من الشهر العقارى التابع لوزارة العدل، ولم يتمكن قاض واحد من السماح لمندوبى المرشحين بالحضور أثناء التصويت، ومن استطاع الدخول تم إخراجه بالقوة ،حيث سيطر رجال الامن على اللجان. وكانت الدعاية خلال الأسبوعين السابقين للانتخابات محل شد وجذب، فلم يشعر المواطنين بأن هناك انتخابات أصلا، وتم إلقاء القبض مرارا على مناصرى المرشحين، بل وإطلاق الرصاص عليهم. أهم الدلالات الخطيرة التى حملتها الانتخابات هى : رسالة إحباط للمواطن المصرى وتيئيس للنخبة السياسية : أنه لا أمل فى أى إصلاح سلمى عبر صناديق الانتخابات، وبذلك ينصرف راغبوا التغيير من المتحمسين إلى أى مسارات بديلة إن وجدت . ورسالة خطيرة أخرى إلى الأحزاب والقوى السياسية، أدخلوا حظيرة النظام والأمن والحزب الوطنى تحصلوا على فتات من المقاعد، مقعد فى مجلس الشورى وآخر فى مجلس الشعب، وإلا فالحرمان من التمثيل النيابى هو مصير مرشحيكم . إذن هو إعلان من جانب النظام عن عدم استعداده للقبول بمنافسه حزبية ولا سياسية شريفة عبر صناديق الانتخابات . وفى حالة قبول الأحزاب التى تم تزويرها النتائج لها ورضاها بالأمر الواقع، فهذا إعلان من جانبها أيضا عن انتهاء دورها المعارض للنظام وسياساته، ولا يكفى هنا بيان يخرج للرأى العام يدين ما حدث من تزوير،أو الادعاء بأن نوابها سيقومون بدور ما فى الرقابة والتشريع أو المحاسبة، فهذا كله لن يقنع أحدا، ولن يقبل الشعب نائبا جاء بالتزوير الفاضح الشنيع مهما علا صوته تحت قبة البرلمان أو حتى كتب معترضا فى صحيفة الأهرام الرسمية . المهم هنا هو إدخال أحزاب لها تاريخ ولها أسماء عريقة فى حظيرة النظام عبر بوابة الأمن بجانب ما يمكن تسميته "أحزاب القصر" وهو ما جرى فى نهاية العهد الملكى فى نظر بعض المؤرخين مما أدى إلى انهيار الثقة فى قدرة النظام على تجديد نفسه فكانت النهاية . إذا كانت أهم دعائم النظام الديمقراطى السليم هى : • انتخابات نظيفة حرة وسليمة . • تعددية حزبية سياسية فى نظام تعددى قادر على التنافسية . • تداول للسلطة فى إطار دستورى يضمن الاستقرار السياسي والمجتمعى . • حريات عامة مكفولة خاصة فى التنظيم والتعبير . • احترام لحقوق الإنسان وكرامته . فماذا بقى من هذه الدعائم فى ظل الانتخابات الأخيرة ؟! وماذا حملته لنا أحداث الأسابيع التى تلت الانتخابات من توقعات؟ لقد تزامن مع نتائج الانتخابات أحداث هزت ثقة الشعب فى كل شئ : أولا : هيبة القضاء التى اهتزت بسبب عدم احترام الأحكام النهائية أو عدم استخدام الوسائل القانونية والدستورية للاعتراض على أحكام القضاء .مع سكوت النظام عما يجرى كأنه يرضى به ويحبذه لغرض فى نفسه. ولقد كانت الحكومة والأمن ولجنة الانتخابات هى السباقة دوما فى عدم احترام أحكام القضاء، مما دفع الآخرين إلى نفس السلوك واللجوء إلى التظاهرات والاحتجاجات للاعتراض الشديد . وبذلك يكون حصن العدالة الأخير، والملاذ الذى يلجأ إليه المواطن والضمان الذى يعوّل عليه كثيرون فى انتخابات حرة ونزيهة فى طريقه إلى الزوال، فماذا تحمل تلك الرسالة أيضا؟ خاصة فى ظل ما حدث من اللجنة العليا للانتخابات وغلبيتها من القضاة والتى كانت بحق غائبة تماما، ولم يشعر بها المرشحون ولا المحامون ولا وكلاء المرشحين . ولعل من المناسب هنا أن نذّكر أن هناك 14 قتيلا سقطوا ضحية رصاص الشرطة خلال انتخابات 2005م ونحن الآن على أبواب انتخابات جديدة ولم تحرك النيابة العامة التى هى أمينة على الدعوى العمومية ساكنا ، فمن يتحمل دماء هؤلاء الضحايا الأبرياء . ثانيا : حادث قتل الشاب السكندرى "خالد سعيد" بطريقة بشعة ودون مقدمات، وبدون خلفية سياسية للحادث مما يدلل على أن حديث رئيس الوزراء الذى صدر به قرار وقانون فى مجلس الشعب عن اقتصار تطبيق حالة الطوارئ على الاتجار بالمخدرات أو العمليات الإرهابية كان وهما، وأن وزارة الداخلية ورجال الشرطة مازالوا يتمتعون بكل الصلاحيات التى تتيح لهم القتل خارج القانون والاعتقال الطويل دون احترام لأحكام القضاء، والتعذيب الشديد دون رقابة قضائية أو ملاحقة حقوقية، وما زالت النيابة العامة لا تفتح ملفات سابقة مثل ضحايا الانتخابات السابقة خاصة مع ما يتمتع به النائب العام الجديد من مصداقية وقبول لدى الرأى العام . ثالثا : استمرار إحكام الحصار على قطاع غزة، والحديث المستمر عن فتح منفذ "رفح" مع غزة دون حصول تغيير جدى، باستثناء السماح للأفراد وفق ضوابط صارمة بالمرور خاصة المرضى والطلاب، أما السلع والبضائع والفتح الطبيعى وإنهاء الحصار المحكم فشئ آخر مازال حلما يراود الفلسطينيين، وتزامن ذلك مع هجوم إعلامى مصرى رسمى على تركيا واستخفاف بدورها الإنسانى والسياسى، مما يدلل على انحياز مصرى للسياسة الصهيونية والأمريكية على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية والمصالح المشتركة لدول المنطقة جميعا . هل نشهد نهاية مرحلة فى تاريخ مصر وولادة مرحلة جديدة ؟ وكيف يأتى مشهد النهاية المرتقب ؟ وكيف تحدث الولادة الجديدة ؟ هل تحدث بطريقة طبيعية وسلمية أم بمشهد آخر ؟ أسئلة كثيرة فى رحم الغيب لا يعلمها إلا الله ؟ لكن تبقى دلالة هامة وأساسية : آن أوان الفرز قد جاء : القوى الراغبة فى الإصلاح والتغيير السلمى بالوسائل الدستورية والشعبية يجب أن تكون فى جانب واحد، وأن يقوّى بعضها بعضا، وأن تتعاون فى القدر المتفق عليه للإصلاح والتغيير وهو كثير، وأن تتحاور حول المختلف عليه فيما بينها بطرق حضارية للوصول الى توافق مجتمعى ولو بالحد الادنى. أما الذين ينحازون إلى النظام وسياسته ورضوا منه بالفتات وبقاء الاوضاع على ما هى عليه دون إصلاح أو تغيير فقد حكموا على أنفسهم بأنهم فى الخندق الآخر، ولا مكان لهم بين الشعب . وجدير بالذكر أيضا أن الهموم الداخلية للمواطن المصرى رهن بإصلاح سياسى تأخر كثيرا، وأن الدور المصرى المرتقب على الساحة العربية والإقليمية والذى تآكل كثيرا رهن أيضا بإحياء الإصلاح الشامل الذى يعيد الحيوية للشعب المصرى وللدولة المصرية .