لاحظت أن صور الدكتور محمد مرسي بدأت تقل كثيرًا في المسيرات التي حدثت بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، وفي بعض المسيرات تكاد تختفي تمامًا، سألت أحد المشاركين عن تلك الملاحظة فأكدها لي وقال: نحن لم نعد نخرج من أجل مرسي، نحن نخرج الآن من أجل من استشهدوا، الإجابة جعلتني أضع يدي على قلبي خوفًا من أن تكون دوامات الدم قد فتحت أبوابها بما يصعب غلقه، وأن تكون المشكلة في مصر قد تحولت من صراع سياسي على الشرعية إلى ما يشبه الثأر والثأر المقابل، لأن هناك مؤشرات على بدايات للعنف الجماهيري لا يمكن أن تخطئها الملاحظة، كما أن مستويات العنف التي تحدث الآن من قبل الداخلية لا يمكن أن تبعدها هي الأخرى عن مشاعر غضب عنيف تجاه بعض ضحايا الشرطة الذين قتلوا على يد حشود غاضبة أو على يد متطرفين، ولدينا إعلام هنا وإعلام هناك لا يتورع عن بث الكراهية في كل اتجاه والتلذذ بنشر فيديوهات الجثث المشوهة من هذا الطرف أو من الطرف الآخر وتغذية مشاعر الكراهية والثأر في كلا الجانبين، وأخطر ما في هذا المسار أن فكرة الوطن والمواطنة والدولة والقانون تتراجع وربما تفقد كل معانيها لدى الأطراف كلها، لتصبح الغريزة وتصنيف الآخر على أنه "عدو" هي الإطار الحاكم بما يترتب على ذلك بأن كل شيء مستباح لدى الآخر. من الواضح أن ثمة قرارًا بإنهاء دور جماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية الجديدة، والإجراءات العملية والتعبئة الإعلامية كلها تعطي هذا المؤشر بوضوح كافٍ، وهو ما يجعل الجماعة تخوض المواجهة بدون أي سقف وبدون تحسب للتكاليف، فلم يعد لديها ما تخسره عمليًا، وهي إذا توقفت تخسر وإذا استمرت في المواجهة تخسر أيضًا، وبالتالي فلنا أن نتصور أن كل الخيارات أمامها صعبة، وفي المحصلة وطنيًا كل الخيارات المحتملة تفيد بأن المواجهة ستستمر إلى أمد غير معروف وربما نتيجة غير معروفة أيضًا، والمشكلة أن الحالة السياسية الداخلية في مصر الآن تتبلور تدريجيًا بالعودة إلى صيغتها القديمة، قبل يناير 2011، جماعة الإخوان والتيار الإسلامي في مواجهة الدولة الأمنية، وبقية القوى والأحزاب والتيارات مشجعون يشعلون مدرجات الملعب هتافات بدون أي دور أو وجود حقيقي داخل الملعب نفسه، إلا في استديوهات القنوات الفضائية أو صالونات بعض المنتديات السياسية التي يسمونها أحزابًا، ويعزز من تلك الوجهة المتنامية بسرعة الآن الموقف السلبي للأحزاب والقوى السياسية تجاه ما يحدث من ممارسات على الأرض، سواء من جهة المؤسسة العسكرية والأمنية أو من قبل جماعة الإخوان، فالبعض يكتفي بالفرجة، والبعض يكتفي بالشماتة في الجماعة التي هوت بكل غطرستها من رأس السلطة إلى مطاريد في الشوارع والشقق للاختفاء من الملاحقات، والبعض يكتفي بالإدانة والشجب لعنف الجماعة أو عنف الشرطة، ولم تعد هناك "سياسة" بالمعنى المفهوم في مصر، الجميع ترك الملعب للإخوان والجيش والداخلية، والجميع قرر انتظار نتائج المواجهة لكي نبدأ من بعدها التفكير والعمل السياسي، غير أن المشكلة أن "الوحش" الذي يمكن أن يتمخض عن هذه المواجهة الصفرية والعدمية إذا تركت بدون لجم وبدون استيعاب، هذا "الوحش" الذي يمكن أن تلده تلك المواجهة لا يمكن ترويضه بسهولة، سواء كان في التيار الإسلامي أو كان في المؤسسة الأمنية ذاتها، وستصبح الديمقراطية مشروعًا معلقًا مع وقف التنفيذ حتى إشعار آخر، ولذلك أتمنى أن يخرج الجميع عن سلبيته، وأن يقدم رؤى وأفكارًا وحلولًا، وأن تتبدى لنا ملامح خارطة المستقبل عمليًا لأن الغموض فيها وكأنها من أسرار الدولة العليا لا يريح، كما أتمنى أن تمتنع الكنيسة الوطنية عن التدخل الصريح في هذه الأزمة، فالبيانات التي تخرج منها لتأييد الجيش والشرطة لن تفيد الجيش ولا الشرطة، وتضر بهما ضررًا شديدًا، كما تضر بالوطن كله بما فيه الأقباط، لأنها تعزز من أجواء الاستقطاب والاحتقان الطائفي، وأتمنى أن تكون بياناتها أشبه ببيانات الأزهر، دعوة للتسامح والمصالحة الوطنية وتغليب لغة العقل دون الانخراط في سلوكيات أو بيانات يفهم منها الانحياز ضد طرف بعينه، فهذا خطأ سياسي فادح. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.