لم يكن يراود مخيلتهم حينها أنها ستكون المرة الأخيرة التي يلقون فيها نظرة إلى وجه عزيز فقدوه، أمهات وآباء يرتسم على وجوههم الهم، وآثار البكاء لا تفارق وجوههم، ومعالم الشيب لا ترحمهم فتبرز في ملامحهم معلنة أنهم قد وهنوا والزمن قد أخذ منهم السند، نعم فهذا فقد ابنه وهذه رحل عنها فلذة كبدها. رائحة الدماء والموت تملأ المكان، وسواد في الملابس والقلوب، رغبة في الانتقام والأخذ بالثأر، وشباب يموت من أجل مبدأ ليعيش عواجيز يملكون السلطة، هناك أمام مشرحة زينهم كانت القلوب تتفطر من هول الفراق، فهذه أم لابنها محمد أحمد خلف صاحب العشرين عامًا، تقول إنه الابن الوحيد لها، كان عائلها وسندها في الدنيا، رحل عنها ليتركها تحمل هم فراقه، لا تستطيع أن تنطق سواء بأن حقه سيرجع. وهناك في جانب متباعد عن والدة محمد يقف عبد الباسط إمام، منتظرًا ابنه ليخرج له في قطعة بيضاء وورقة من المشرحة يقول إنه قتل بطلق في جنبه، ويضيف أن ابنه كان من ضمن الشباب الذين يتولون تأمين الميدان واعتصم مع باقي أسرته في 28 من يونيه. ويتابع: "كنا مقتنعين بالشرعية فذهبنا لا يهمنا الموت، ولكني لم أكن أتوقع أن يكون بهذه المرارة، يبكى ويبكى وليس أمامه سواء أن ينتظر دور ابنه". بجانب هذا الأب يقف آباء كثيرون منهم من لا تحمله قدمه فافترش الأرض بجانب الجثث التي من كثرتها وضعت خارج جدران المشرحة ومنهم من وقف يهتف محملاً الفريق أول عبد الفتاح السيسى المسئولية، هتافات تتردد في أرجاء المكان:"السيسى باطل.. السيسي قاتل"، "يسقط يسقط حكم العسكر"، وترددت الهتافات فيزيد الحماس ويزيد معه الوجع فهذه الهتافات لا تمحى حقيقة أن الأبناء قد رحلوا.