قامت قوات الاحتلال الصهيوني بعملية قرصنة في عرض البحر، على أسطول الحرية، وأمام العالم كله. وهي جريمة جديدة للاحتلال الصهيوني، ونقطة سوداء في صفحة كلها سواد، والجديد فيها أن كانت عدوانا موجها للعديد من المدنيين من جنسيات متعددة، فقد كان اعتداءا ضد العديد من الدول، ولم يكن فقط اعتداءا على الفلسطينيين أو العرب. لذا جاءت ردود الفعل الغاضبة من مختلف بقاع الأرض. ولم تكن تلك هي الحادثة الأولى، فقد سبقتها حادثة اغتيال محمود المبحوح القيادي في حركة حماس، والتي استباحت فيها الموساد جوازات سفر العديد من الدول الغربية، بما سبب حرجا لتلك الدول. وبات واضحا أن الاحتلال الصهيوني يدافع عن ما يراه أمنه، متجاوزا لكل الأعراف والقوانين، وأنه يمارس احتلاله متجاوزا حقوق الآخرين، أيا كانت جنسياتهم. وقد بدأ الاحتلال الصهيوني في مرحلة تجاوز فيها حلفائه التقليديين في الغرب، حتى بات كمن يتصرف دون اعتبار لمصالح العالم، أو حتى حلفائه الغربيين أنفسهم. ليست الجريمة هي الأولى أو الأبشع، ولكنها كانت جريمة ضد الجميع، وعلى مرأى من الجميع، وأثبتت تلك الجريمة، أن الاحتلال الصهيوني يعمل على تأمين بقاءه واحتلاله، بغض النظر عن أي اعتبارات ترتبط بالمصالح العالمية، أو ترتبط بمصلحة أي دولة. فأصبح كمن يعلي من أمنه ومصالحه فوق مصالح الجميع. ولقد جعلت الدول الغربية خاصة أمريكا، من الاحتلال الصهيوني، دولة مارقة فوق القانون الدولي، وها هي تمارس وضعها الذي اكتسبته بالدعم الغربي، باعتبارها دولة مارقة فوق الجميع، وفوق القانون الدولي وكل الأعراف. حتى أنها لم تراعي حقوق الدول الداعمة لها، وحتى الدول الصديقة. وظهر جليا أن دولة الاحتلال الصهيوني، ترى أن دولة تركيا الصديقة تجاوزت الحدود في نقدها لها، لذا حاولت قوات الاحتلال الصهيوني تكبيد دولة تركيا خسارة بشرية مباشرة ومتعمدة، حتى تردعها. وأهم ما تكشف عنه تلك الجريمة، هو مفهوم دولة الاحتلال الصهيوني عن الأمن، فمجرد وصول مساعدات لقطاع غزة المحاصر، أصبح يهدد أمن الاحتلال. فدولة الاحتلال ترى أنها اغتصبت أرضا، وتريد أن تضمن سيطرتها على كل الدول المحيطة بها، وليس فقط شعب فلسطين، حتى لا يأتي جيل في المستقبل ويطالب بالحق الفلسطيني والعربي والإسلامي في ارض فلسطين. لذا أصبح أمن دولة الاحتلال الصهيوني يتجاوز كل الخطوط الحمراء في القانون الدولي، مما جعل دولة الاحتلال الصهيوني تستبيح حقوق ومصالح الجميع، من أجل الحفاظ على أمن الاحتلال. وبات واضحا، أننا أمام البداية، وأن المواجهات القادمة سوف تكون أوسع مدى، حيث يحاول الاحتلال الصهيوني تأمين بقاءه، وحماية نفسه من الجرائم التي ارتكبها، وحماية قياداته من الملاحقة، وكل هذا يتطلب مزيد من خروج دولة الاحتلال الصهيوني على التقاليد والأعراف والقوانين الدولية، مما يكرس وضعها كدولة مارقة، تستبيح القانون الدولي. ويبدو أن الغرب أراد بالفعل إقامة دولة مارقة لا تلتزم بالقانون الدولي، وحمى خروج دولة الاحتلال الصهيوني على كل القرارات الأممية، وأباح لها عدم الالتزام بالقانون الدولي، لقد أراد الغرب زرع دولة مارقة تتحدى القانون، وتقوم بالنيابة عنه بالحفاظ على المصالح الغربية، خارج إطار القانون. ولكن هذه الدولة المارقة، لم تعد تحت السيطرة، فكل عدوان جديد يتم حمايته بعدوان آخر، حتى باتت دولة الاحتلال الصهيوني منفلتة من أي قيد، وتستبيح الجميع. وبعد أن فازت دولة الاحتلال الصهيوني باعتراف معظم دول العالم بها، بسبب معاهدات التسوية التي أجرتها مع الدول العربية بدأ من مصر، وبسبب التراجع الشديد في موقف النظام العربي الرسمي، والذي بلغ درجة من الضعف المتناهي، أصبحت دولة الاحتلال الصهيوني هي التي ترتكب من الجرائم ما يفقدها كثيرا من التأييد والدعم الذي كانت تحظى به، وأصبح وجهها القبيح معلنا للجميع، وليس للعرب والمسلمين فقط. لقد مارست دولة الاحتلال الصهيوني كل أشكال الغطرسة ضد سفن أسطول الحرية، حتى كسبت عداءا مباشرا بينها وبين الشعب التركي، بل عاملت الشعب التركي بنفس العدوانية التي تعامل بها الشعب الفلسطيني، ولم تدرك دولة الاحتلال أنها تمهد لموجة عاتية من الكراهية لها، توقظ وعي الشعوب العربية والإسلامية، وكل الشعوب الحرة في العالم. ولقد أصبحت دولة الاحتلال الصهيوني ضمن أعداء الحرية، لتصبح بذلك هدفا للحركات المنادية بالحرية، والتي تقاوم الهيمنة الإمبريالية الرأسمالية في العديد من الدول، بما فيها الدول الغربية. فلقد بدأت دولة الاحتلال الصهيوني وضع نفسها في خانة أعداء العالم، لتصبح المسبب الأول للاضطراب في العالم. وبهذا تكسب كل يوم أعداء جدد، رغم بقاء الدعم الغربي غير المشروط لها. وبهذا تبدأ مرحلة جديدة من المواجهة مع العدو الصهيوني، فقد أصبحت حماية هذا الاحتلال تتطلب ارتكاب جرائم جديدة كل يوم، ولم يعد أمام الغرب إلا التورط أكثر مع جرائم الاحتلال وحمايته، فقد وضع الغرب كل رهانه للسيطرة على المنطقة العربية والإسلامية، في يد الدولة المارقة الصهيونية، والتي أصبحت جزءا مهما من الهيمنة الغربية على المنطقة، ولم يعد الغرب قادر على تغيير سياسته، مما سيجعله يتورط أكثر في الجرائم الصهيونية، ويصبح شريكا علنيا فيها. وأصبح على الدول الغربية مواجهة حالة الغضب التي تنتاب جزء من الشارع الغربي، ومواجهة انكشاف المشروع الصهيوني أمام فئات جديدة من شعوب العالم الحرة. فلم تعد جريمة الاحتلال الصهيوني هي جريمة في حق الفلسطينيين والعرب والمسلمين فقط، بل تتحول تلك الجريمة تدريجيا لتصبح جريمة في حق كل مناضل من أجل الحرية، في أي مكان في العالم.