الذين ساهموا فى حصار غزة واعتبروا الفلسطينيين هم العدو الجديد بعد أن زال العداء لإسرائيل، ودافعوا عن هذا الحصار بعصبية وإخلاص من كتبة الحكومة المصرية لابد أن تشملهم لجنة التحقيق الدولية. لقد انبرى كتبة الحكومة خلال محرقة غزة، كما توعد وزير الخارجية كل فلسطينى يفر من المحرقة إلى مصر بكسر ساقه إن بقى له ساق بعد هذه المحرقة، ولما دافع الشرفاء منا عن حق الفلسطينيين القانونى فى الفرار من الموت، وأن منعهم من ممارسة هذا الحق يعد من الجرائم ضد الإنسانية انهال الكتبة بأقلامهم وبأموال الشعب المصرى الذى يتحمل نتائج فشلهم وخيبتهم والاهدار المالى والافلاس فى مؤسساتهم التى يديرها الحزب الوطنى باسم مستعار هو الشعب المصرى، انهال هؤلاء على هؤلاء الشرفاء واتهموهم بالعمالة والانحراف وسوء الخلق وسوء الطوية وخيانة الوطن بل واحتكروا الوطنية وكل القيم النبيلة التى نزعوها عن هؤلاء الشرفاء. لقد دافعوا عن موقف مخجل لخنق غزة حتى صار إنقاذ غزة جريمة يعاقب عليها القضاء تحت تهم أخرى بألفاظ القانون. بل إن كتيبة مشايخ السلطان فى مجمع البحوث الإسلامية الذين يحملون كتاب الله ويتمتعون باحترام الناس ظناً فى وقار المنصب وقدسية الرسالة وصدقها قد أفتوا بأن جدار مبارك الفولاذى الذى يحكم الحصار على غزة، مطابق للشريعة الإسلامية، وكأن الشريعة تعتبر المشاركة فى تنفيذ مخطط الإبادة الإسرائيلى تقرباً إلى الله، بل وكفروا كل من يهاجم هذا الجدار، ولكن الله قيض تركيا وأردوغان ودماء شهداء الحرية لنصرة الحق الذى زاغ أمام أبصارهم، ولذلك سوف نجمع كل آثارهم لتوضع فى متحف فى جدار مبارك رمزاً لمرحلة لم تعرفها مصر فى كل تاريخها، ولهذا السبب لا أطالب بوقف بناء الجدار بل الإسراع فى إنهائه ليبقى شاهداً على عملهم وعطائهم فى الدنيا والآخرة. ولسوف تظل أسماء الشرفاء الذين هاجمتهم هذه الفرقة المدنية والدينية رمزا لنصرة الحق والوطن ودليلاً دامغاً على مكانهم فى سجل أبناء مصر الذين يتفاضلون بعطائهم الحقيقى، كما يتفاضل الآخرون عند السلطان بقدر تجريحهم لكتيبة الشرفاء. المهم أن تركيا تلح فى تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق فى تفاصيل جريمة إسرائيل، وسوف تبحث اللجنة فى الملابسات التى أدت إلى فكرة كسر الحصار بحراً بعد أن أحكم الحصار براً من جهة مصر وإسرائيل، فلجأت المحاولات إلى البحر، ولو كان معبر رفح مفتوحاً لما وقعت الكارثة ولوفر ذلك على إسرائيل وشركائها كل هذا الحرج. وقد أكدنا ولا نزال أنه لا علاقة بين المصالحة الفلسطينية وفتح المعبر، وأن التذرع بالمصالحة المستحيلة تغطية على قرار سياسى بإغلاق المعبر بعد أن فشلت حجة الإغلاق احتراماً لمعاهدة دولية مزعزمة، وقد قلنا يومها أنه حتى لو كانت هذه المعاهدة المزعومة ملزمة لمصر، فإن هذا الالزام يسقط لأنه يؤدى إلى المساهمة فى جريمة، وبعد أن ساءت وجوه الكتبة الذين ساءهم أن ندلى بشهادة قانونية موثوقة حول الوضع القانونى لمعبر رفح. ولذلك يجب أن نعيد التأكيد فى هذا المقام ما يلى بشكل قاطع: أولاً، أن فرض الحصار جريمة مركبة وعدم السعى إلى كسره جريمة أخرى. ثانياً، أن مساندة الحصار باستمرار إغلاق المعبر ثم الأنفاق ومطاردة كل من يحاول إنقاذ غزة جريمة ثالثة. ثالثاً، أن محاولة تبرير جريمة إغلاق المعبر حتى تستمر جريمة الحصار وتداعياتها جزء من خط عام مساند لإسرائيل سياسياً، ولكنه جريمة رابعة سواء كان التبرير بالبيان أو الإعلام أو غيره. رابعاً، أن جدار مبارك الفولاذى تجسيد لجريمة المشاركة فى الحصار وإحكامه مهما صوروا من آثام ومساوئ الأنفاق، لأن الأنفاق بديل عن المعبر، والجدار إنهاء للأنفاق. خامساً، أن السماح لإسرائيل بتدمير الأنفاق فى الأراضى المصرية جزء من التعاون مع إسرائيل فى إحكام الحصار وانتهاك للسيادة المصرية، وهى جريمة خامسة. لهذا كله طالبت بتدويل معبر رفح حتى لا يرتهن فتح المعبر بذريعة بالية وهى المصالحة المستحيلة، لأن من حق سكان غزة أن يمارسوا حياة طبيعية بصرف النظر عن خيارهم السياسى. لقد فتح شهداء الحرية دون أن يدروا باب الخلاص والتطهر ولكنى مصر على أن يلحق المساهمون فى الحصار وتبريره بأعمال لجنة التحقيق ويكفينى أن تعبر اللجنة عن قناعتها فى سياق استعراض الظروف المؤدية إلى الكارثة- الفضيحة أن إحكام الحصار من الجانب المصرى الذى تحرج وزراء الخارجية العرب النطق به، هو السبب الرئيسى فى الكارثة، ذلك أن الإصرار على قتل سكان غزة بالحصار قابله إصرار من جانب شرفاء القافلة، فأرادت إسرائيل أن تطوى بالقتل إرادة القافلة، فأصبح دم الشهداء قرباناً لإحياء سكان غزة وتكريماً لشهداء المحرقة والحصار. لابد أن يتحمل كل من تسبب فى الحصار واستمراره وآثاره حتى كارثة الحرية مسئووليته الجنائية والأدبية والأخلاقية، ولابد أن يعتذروا لضحايا هذا الفعل اللاإنسانى، وفى مقدمة هؤلاء كتبة الحكومة العاملون فى صحافة الشعب وإعلامه، ومارسوا ضد الشرفاء الأغتيال المعنوى بأموالنا تحت عنوان حرية الصحافة. لقد سرح به الخيال بعيداً عندما كنت أستمع إلى البروفيسور أوغلو معلم الدبلوماسية الحديثة وأقارن بما عندنا من إسفاف وفحش فى القول والفعل. وتساءلت ماذا لو كان أوغلو وزيراً لخارجية مصر، وكانت تركيا هى التى تجاور غزة ولكن التساؤل ينقصه أن أوغلو وتركيا تحتاج أيضاً إلى شعب تركى تماماً كما حدث فى القصة مع صلاح الدين الذى عاد دون جيشه وشعبه فعاد أدراجه وكفاه ذكراه وزفرات العارفين بفضله