قال صديقي لماذا تكتب ، وما هو الدافع وراء ما تكتبه ، قلت صحيح لماذا يحمل الإنسان قلمه ويغامر بأفكاره ليضعها على الورق ثم يتركها ليقرأها الجميع فتصبح ملكا لهم ، ثم يتحمل هو دون غيره وزر ما يكتب ، وما الذي يدفع الإنسان لمعاودة الكتابة والاستمرار إلى نهاية المشوار وهو يعلم يقينا أن الكتابة فعل "مجرم" في عالمنا الذي نحياه ، قد يقوده للنقد وهذا أضعف الإيمان وربما إلى السجن وهو الغالب وقد يلقي الإنسان حتفه ! هي لعنة إصابتنا أم هي لذة الكتابة وصناعة الأفكار وتسألت ما الذي يدفع الروائيين وما أكثرهم أن يكتبوا رواياتهم في عالم لا يحتفي بالأدب بل يحتقره ..الواحد منهم يكتب روايته وينفق عليها من ماله الخاص وهو يعلم سلفا أن قراءه في الغالب هم أصدقاؤه وعشيرته الأقربون وفي أحسن الأحوال معارفه وجيرانه ورغم ذلك يخرج من خسارة النشر وما تكبده من أموال ليبدأ رحلة جديدة وعملا آخر ، الواحد منهم يحمل روايته وكأنه يحمل مولوده الذي رزق به بعد أن اشتعل الرأس شيبا يتباهي به في وداعة وشوق ودفء ، وعندما ترق له قلوب المختصين ومن بيدهم مقاليد الأمور ويمنحونه لقاء يتميا من بين مئات اللقاءات الخاصة بمطربي ومطربات التيك أواي تجده يتحدث عن عمله بسعادة غامرة وحنان غير مسبوق وما الذي يدفع الصحفيين والأكاديميين والمفكرين ومن هم في مثلي إلى كتابة المقالات وهم أول العارفين أن لا أحد يقرأ إلا النذر اليسير من المثقفين والمهمومين فالواحد منا يتعامل مع ما يكتبه كما لو كان والد عروس في ليلة زفافها يهتم بالمدعوين وبالتفاصيل الصغرى والكبرى من أجل عيون ابنته .قد نكتب وهو الغالب من أجل فكرة أو قضية وهذا لا يتعارض أننا نكتب من أجل أنفسنا . فالكاتب في رأيي صاحب حرفة يستمتع بها وإن كانت النتيجة قاسية مؤلمة. وكلما كان الكاتب بعيدا عما يدور حوله كان محاطا بسياج من الأمان . وربما الأن وليس من قبل عرفت أن أحوال كثير من كتابنا إلى الوراء ، فإذا أردت أن تتقدم الصفوف ما عليك إلا أن تمزج ما تكتب بعبارات يقول عنها العارفون إنها من قبيل المدح والإطراء ، وأعرّفها أنا وأنت بالنفاق والخداع ، وإذا أردت أن تكون الكتابة طريقك للوصول إلى ما تريد فلا تطلق لها العنان لتقفز إلى المجهول ويجب عليك أن تفرق بين ما هو معقول وما هو مجنون وإن كنت أوقن أن الكتابة لا يمكن أن تكون عاقلة تماما ويخطئ من يظن ذلك فالكتابة شئنا أم أبينا مسكونة بالرغبة في التعرية والتجاوز وتخطي كل ألوان الطيف ، وإذا كنا فعلا نكتب لنطرح شيئا جديدا فقد يدفعنا هذا التجديد إلى مالا نشتهيه. فهل نطمع أن نعيش لنري وطننا نكتب فيه بلا نقد ولا سجن ولا ألم هذا ما نتمناه. [email protected]