منذ 3 يوليو ومصر تتجه إلى مزيد من العسكرة، والانغلاق، والقرارات الاستثنائية، والابتعاد عن مبادئ ثورة 25 يناير، خصوصًا في الحريات، وحقوق الإنسان. يبدو أنه لا عقل سياسيًا يدير الأزمة التي تتسع وتتعمق وتفلت من أياديهم وتقود البلاد إلى هاوية حقيقية يكون ما حصل أيام الرئيس مرسي نزهة بجانبها. كما يبدو أن العقل الأمني هو من يحكم ويتحكم في كل مفاصل البلاد والحياة السياسية بمنطق أمني بحت، وليس بمواءمات السياسة وروح الوئام والتوافق الوطني. القرارات ليست مرتبكة فقط، بل تحمل مخاطر عظيمة على البلاد والعباد، والحالة ماثلة للعيان الآن من تفاقم الأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والاجتماعية. قوة السلطة وهيبتها ليس في اللجوء إلى عنفوان القوة، إنما في عنفوان السياسة والحوار والنقاش والانفتاح والتسامح. الحل لا يكون في كسر الخصم السياسي وإجباره على الركوع والاستجابة للشروط ولو بالدم. معاهدة نورمبرج المهينة للألمان قادتهم إلى الحرب العالمية الثانية التي انتهت إلى خراب أوروبا والعالم. هل هي سلطة مغيبة لا تدرك أن ثورة 25 يناير كسرت ما كان قد تبقى من جدران الخوف، ولذلك لم يعدد ممكنًا إدخال المصريين مرة أخرى إلى معتقل جماعي؟ ألا تدرك السلطة أن كل مصري قد تغير بالفعل؟ وحتى لو كانت هناك أقلية عددية وسياسية أمام أغلبية، فلم يعد ممكنًا كسرها وهزيمتها هزيمة منكرة، والفوز عليها فوزًا مؤزرًا. هناك إدارة غشيمة سياسيًا تحكم مصر بالعافية، أو بالقبضة الحديدية، تعمل على إعادتنا للوراء بفرض القيود، وتعلية الأسوار، وتكميم الأفواه، وقرارات المنع، صارت الحريات هي الاستثناء، والقمع هو القاعدة. ليست هذه هي مصر 25 يناير، ولا حتى 30 يونيه التي يفترض حسب مزاعمهم أنها جاءت لتصحيح مثار يناير في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ونتلفت حولنا فنجد أن العيش يصير مرًا، والحرية تتحول إلى مقامع من حديد تضرب بها رءوس الأحرار وتمهر بها قرارات منع النشطاء والشخصيات العالمية من دخول البلاد طالما ليست آراؤهم على هوى السلطة كما حصل مع السيدة توكل كرمان مؤخرًا في فضيحة للنظام الأمني الحاكم، وفي العدالة الاجتماعية لم نعد نسمع أحدًا يتحدث عنها، فالمعارضة التي كانت تملأ الدنيا ضجيجًا بفضل منظومة إعلامية تنتمي لزمن جوزيف جوبلز لا تتكلم الآن عن عدالة وفقراء ومحرومين، إنما بات هاجس حمدين صباحي أحد زعماء تلك الشعارات أن يزايد على السلطة في العسكرة وفي التماهي مع تعسفها، وفي وصف الخصم السياسي بالإرهاب أو بأنه ظهير للإرهاب في سيناء، كما صار يتفنن في وضع الخطط نيابة عن الجنرالات لطريقة فض الاعتصامات السلمية، وهو الذي كان يلطم الخدود عندما يطالب المجلس العسكري أو حكومة الرئيس مرسي بفتح التحرير أمام حركة المرور مع بقاء المعتصمين في صينية الميدان، كان يعتبر ذلك عدوانًا غاشمًا من المستبدين على حق الاعتصام الذي تم انتزاعه بالدماء، كما صار يحلل سفك الدماء البريئة ويقف داعمًا للقتلة. بالأمس عندما كان حمدين في المعارضة كان يرتدي قناع داعية الحرية وحقوق الإنسان والنضال الوطني، وبعد 3 يوليو خلع القناع وظهر الوجه الشمولي على حقيقته وصار محللاً للسلطة وواضعًا لسياساتها وخططها غير الديمقراطية، إنها الازدواجية المقيتة والانتهازية البغيضة واللعب على حبل الشعارات والتجارة بأحلام البسطاء، الحقيقة أنه في داخل كل واحد من هذه النوعية من البشر ديكتاتور يظهر فور تمكنه من السلطة أو اقترابه منها. منع الناشطة توكل كرمان صوت الثورة اليمنية القوي، سلوك لا يليق بمصر ثورة يناير إذا كان بقي منها شيئًا، ولا يليق بأولئك الذين كانوا يصفون عهد مرسي بالاستبداد، فهو لم يمنع أحدًا من دخول مصر حتى لو كان ضده، فأين احتجاجات وتنديد دعاة الحرية بمثل هذا القرار المتعسف؟! توكل هي ابنة الربيع العربي المخلصة، وهي من أشد المدافعات عنه اليوم في مواجهة الثورات المضادة التي تجاهد للانقلاب عليه في مصر وتونس واليمن وليبيا لتحويله إلى مجرد ذكرى لينطفئ قنديل الحرية سريعًا وتعود المنطقة إلى تحكم الديكتاتوريات مرة أخرى فتقعد الشعوب عن الخروج عليها ثانية بعد تشويه تجربة خروجها الأول وضياع تضحياتها الجسيمة. توكل شخصية عالمية حاصلة على أرفع الجوائز "نوبل للسلام "، ولو كانت السلطة تجيد التفكير لرحبت بزياراتها واستثمرتها لصالحها في تبييض جانب من صورتها وسلوكها القمعي، لكنهم لا يفكرون، ولذلك حولوا أنفسهم إلى خبر آخر بارز في الحديث السلبي عنهم في الإعلام العالمي. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.