خبير: السيسي مستمتع بفكرة الرئاسة.. ويميل في سياساته إلى خلط القومية بالإسلام معلمته بالكلية الحربية الأمريكية: إحدى بناته ترتدي النقاب والأخرى الحجاب يعتقد بأن الجيش يجب أن يكون فوق السياسة.. وينبغي أن تتجه مصر تدريجيًا نحو التعددية "هل تعود مصر للحكم العسكري؟" سؤال تطرحة مجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية والتي ترى أن جنرالات الجيش الذين أطاحوا بحكم الإخوان المسلمين أكثر حرصًا على السلطة مما يظهرون. وقالت المجلة إن الفريق عبد الفتاح السيسي الذي كان يومًا ما مترددًا في الظهور في وسائل الإعلام يبدو وأنه يسعى الآن بشكل كبير للأضواء، معتبرة أن ذلك قد يعود لرغبته في الترشح للرئاسة. وأشارت إلى أن المشاهد التي انتشرت مؤخرًا له وهو يخاطب ضباط الجيش بدت وكأنه تم تصويرها للاستهلاك العام وانتشرت بشكل فيروسي كما كان ينبغي لها. ولفتت المجلة إلى تصريحات المتحدث العسكري التي قال فيها إنه على الرغم من أن السيسي لم يترشح بعد للمنصب إلا أن شيئًا لا يمنعه من القيام بذلك إذا قرر التقاعد من وظيفته العسكرية، وبدورها بدأت وسائل الإعلام في مصر بمقارنة السيسي بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، القائد العسكري البطل الذي أصبح رئيسًا للبلاد بعد إطاحته بحكم الملك في عام 1952. وقام المتظاهرون الذين شاركوا في التظاهرات التي أنهت حكم الإخوان المسلمين الشهر الماضي بإلصاق صور السيسي في شوارع البلاد باعتباره نبعًا للشعور بالكرامة والأمن الذين يرون أن مصر افتقدته منذ عهد عبد الناصر. ونقلت المجلة عن روبرت سبرنجبورج، الخبير في الشأن العسكري المصري وأستاذ شئون الأمن القومي بكلية الدراسات العليا البحرية في مونتيري بكاليفورنيا، قوله إنه "من الواضح للغاية أنه (السيسي) مستمتع بفكرة الرئاسة". وبحسب المجلة، فإن السيسي يميل في سياساته إلى خلط القومية بالإسلام، فهو كثيرًا ما يستخدم آيات قرآنية في أحاديثه كما أنه أكثر تدينًا من سلفه، المشير حسين طنطاوي، كما أن واحدة من أساتذته بالكلية الحربية التابعة للجيش الأمريكي بولاية بنسلفانيا وتدعى شريفة زهر أكدت أن إحدى بناته ترتدي النقاب فيما ترتدي أخرى الحجاب. وقالت زهر إنه أثناء دراسته بالكلية الحربية بالولايات المتحدة أعرب السيسي عن اعتقاده بأن الجيش يجب أن يكون فوق السياسة، مشيرة إلى انطباعها أن السيسي كان يوافق على أن مصر ينبغي أن تتجه تدريجياً نحو التعددية. وأضافت: "ولكنه كان أيضًا على دراية بكل الصعوبات التي تترتب على كون الشعب لم يكن قد شارك قط من قبل – في ذلك الوقت – في انتخابات مفتوحة". وحتى وقت قريب كان المراقبون يعتبرون آراءه مثالاً للضباط الصغار الأكثر استنارة، ووفقًا لتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية ببروكسل في عام 2012 فإن الجيش كان لا يظهر اهتمامًا كبيرًا بالحكم ولكنه عوضًا عن ذلك كان مهتمًا بحماية امتيازاته. ويبدو أن تجربة العسكر في الحكم خلال العام الأول من الربيع العربي عززت هذا الاتجاه، فوجود الجيش في السلطة يجلب معه صعوبات لا توصف ويقوض الدعم الشعبي للجنرالات. وكشفت المجلة عن أن وجود جنرالات الجيش على رأس السلطة في أعقاب الإطاحة بنظام مبارك فتح شهيتهم على السلطة، حيث فكروا في البداية في أن يترشح المشير طنطاوي للرئاسة، ثم اتجهوا بعد ذلك إلى دعم المرشح المنافس لمرسي في انتخابات 2012 وهو الفريق أحمد شفيق، قائد سلاح الجو سابقًا. وفي أعقاب الانتخابات شكل الجنرالات نوعًا من التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، ثم تم تعيين السيسي وزيرًا للدفاع في أغسطس الماضي ليقوم بتطهير الجيش من العشرات من الضباط المقربين من سلفه، غير أنه حذر من التدخل في السياسة وأن مثل هذا التدخل الذي أطاح بحكم مبارك يمكن أن يحول مصر إلى أفغانستان أو الصومال. وفي الوقت نفسه عزز السيسي من الدعم الذي يحظى به في صفوف الجيش فقام باختيار أعضاء المجلس العسكري بنفسه، كما أكد عدد من الجنود أنهم أصبحوا يحظون بمعاملة كريمة في عهد السيسي على عكس عهد طنطاوي، حيث كان السيسي يحقق بجدية في أي شكوى تصدر من عسكري ضد أحد الضباط، وأكد أحد الجنود أن الوزارة الآن أصبحت تعاقب بصرامة أي ضابط يثبت تورطه في الإساءة للجنود. وتابعت المجلة قائلة إنه مع استفراد الإخوان بالمزيد من السلطة وتراجع شعبيتهم بدأ طموح قادة الجيش واهتمامهم بالسلطة بتزايد مما دفعهم لمراجعة تعهداتهم السابقة بعدم التدخل في السياسة. وبعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، منح السيسي نفسه منصب النائب الأول لرئيس الوزراء، بالإضافة إلى منصبه كوزير للدفاع، وعين القاضي عدلي منصور رئيسًا للبلاد وتعهد بإجراء انتخابات جديدة على وجه السرعة، غير أن الاعتقالات الجماعية لقادة الإخوان وقتل العشرات من مؤيديهم لا يبدو معها وأن البلاد في طريقها للعودة للتعددية التي شهدتها خلال العامين الماضيين. واعترفت المجلة أنه من الصعب التكهن بنوايا الجيش على المدى البعيد، ربما لأن قادته أنفسهم لا يزالوا غير متأكدين مما يريدون، ويرى المراقبون أن كبار قادة الجيش إستراتيجيون غير ذي كفاءة، ويقول يزيد صايغ، الباحث بمؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي، إن الجيش المصري أكد حقه في التدخل في العملية السياسية، وهو ما يضعه في طريق المزيد من التدخل، ولكنه على عكس الجيش التركي لا يوجد لديه مفهوم حقيقي عن بناء الدولة. ويقول صايغ إن قادة الجيش يدقون طبول القومية، مضيفاً "أنهم يتحدثون عن محاربة الإرهاب، ولكن أياً من هذا ليس أجندة، أياً من هذا ليس سياسة للإصلاح". وتقول المجلة إن جنرالات الجيش المصري يبدو أنهم ينظرون للجيش الباكستاني كمصدر إلهام، حيث يتغذى ضباط الجيش الباكستاني على إمبراطورية اقتصادية ضخمة فيما يتشدقون بالكلام عن الإسلام ومساعدة الفقراء، بينما هم في الحقيقة يملأون جيوبهم ويحكمون من وراء درع واقي بمساعدة القادة المدنيين المطيعين، وإذا أصيب المدنيين بالغرور وتجاوزوا حدودهم فإن الجيش ببساطة يعيد ضبط عقارب الساعة السياسية. وأشارت المجلة البريطانية إلى أن الجيش عادة ما يعامل المؤسسات المدنية بازدراء ويعتقد أنه يدرك أفضل من المصريين العاديين ما هو الأفضل للبلاد، وعندما يقوم الجيش ببناء طرق في البلاد فإنه يشير إليها باعتبارها "هدية للشعب المصري". وقارنت المجلة بين الملصقات الدعائية في عهد عبد الناصر والتي كانت تظهر الجنود يسيرون تجاه المستقبل جنباً إلى جنب العمال والفلاحين والمعلمين والمثقفين، وبين الملصقات اليوم والتي تظهر جنديًا يرتدي الزي العسكري وهو يحمل طفلاً رضيعًا من المفترض أنه يمثل الشعب. وبشكل عام، ترى الإيكونوميست أن الجيش المصري أبعد ما يكون عن مجرد قوة قتالية، بل أن القتال قد يكون أقل أدواره تطورًا، فخلال العقود الثلاثة التي أمضاها مبارك في السلطة أصبح الجيش يشارك في الإدارة المدنية، وبدأ كبار قادته ينتشرون في كل مكان من مؤسسات الدولة واقتصادها وأخذوا يمتلكون السلطة من خلال اختراق البيروقراطية. ولفتت إلى أن الجيش يعتمد على الدعم من المدنيين المستعدين للحكم بجانبه، فبدونهم يصبح انطباع الحكم العسكري الصريح ساحقاً، مشيرة إلى أنه في أعقاب الإطاحة بالإخوان المسلمين منحت شخصيات ذات ثقل سياسي مثل محمد البرادعي وزياد بهاء الدين دعمها للجيش، غير أن المجلة أكدت أنه لا يزال من المبكر تقرير ما إذا كانوا مجرد دمى أم أنهم يملكون نفوذًا حقيقيًا، ولكنهم بدأوا بالفعل في التعبير عن قلقهم، حيث قال بهاء الدين إن الحكومة الجديدة ينبغي عليها ألا تستنسخ السياسات القمعية والإقصائية من أعدائها. وقالت المجلة إنه على الرغم من أن الجيش حتى الآن يتمتع بشعبية ملحوظة إلا أن ذاكرة المصريين ضعيفة، فهم في البداية أثنوا عليه في أعقاب الإطاحة بمبارك ثم هاجموه بعدها واتهموه بالعمل ضد الطموحات الثورية، ولكنهم عادوا مرة أخرى لدعمه على الرغم من انتهاكاته السابقة، فهل يدوم هذا الدعم طويلاً؟ واختتمت المجلة تقريرها قائلة إن المصريين يمكن أن ينقلبوا ضد الجيش مرة أخرى إذا فشل في إصلاح الإقتصاد، وأنه حتى ينجح الجيش عليه أن يحقق الإصلاحات التي لم يحققها مبارك أو الإخوان المسلمين، حتى وإن كان ذلك يهدد إمبراطوريته الخاصة، ولكنها استبعدت موافقة الضباط على ذلك حتى وإن أكد لهم السيسي أن إصلاح الاقتصاد سيعود بالنفع على الجميع.