وزير الرياضة يبحث مع رئيس اتحاد الجودو آخر استعدادات مصر لاستضافة البطولة العربية    القاهرة الإخبارية: غزة تشهد كارثة إنسانية شاملة والمستشفيات تتوقف تباعًا    أسعار الذهب مساء اليوم 22 يوليو 2025    الداخلية تكشف ملابسات فيديو سير توك توك عكس الاتجاه بالقاهرة    «سانا»: بدء دخول الحافلات إلى السويداء لإخراج العائلات المحتجزة داخل المدينة    ختام فعاليات ماراثون جامعة بنها الثاني لمشروعات التخرج 2025    الفلسطيني آدم كايد ينتظم في مران الزمالك    تعليم دمياط يضع اللمسات الأخيرة لاستقبال طلاب الخدمات بالمدارس الثانوية    «مايقدرش يعنفها».. إنجي علاء تدافع عن راغب علامة بعد قرار إيقافه    أحمد سعد يكشف تفاصيل وموعد طرح أغنية «اتحسدنا» من ألبوم «بيستهبل»    حالتان يجوز فيهما إفشاء الأسرار.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    3 أطعمة لخفض الكوليسترول يجب إضافتها إلى نظامك الغذائي    استشاري تغذية علاجية: «الفاكهة خُلقت لتؤكل لا لتُشرب»    بالفيديو.. رقص محمد فراج وريهام عبدالغفور من كواليس "كتالوج" وبسنت شوقي تعلق    رئيس مجلس الشيوخ: حاولنا نقل تقاليد العالم القضائي إلى عالم السياسة    اعتماد أولى وحدات مطروح الصحية للتأمين الشامل.. وتكامل حكومي - مجتمعي لرفع جودة الخدمات    أوكرانيا تراهن على الأصول الروسية والدعم الغربي لتأمين الإنفاق الدفاعي في 2026    عروض زمن الفن الجميل في ثاني أسابيع "صيف بلدنا" بالعلمين    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى: الإيذاء للغير باب خلفي للحرمان من الجنة ولو كان الظاهر عبادة    لتعزيز صناعة الدواء بالقارة السمراء.. مصر تدرس إنشاء مصنع دواء مشترك مع زامبيا    رئيس اتحاد عمال الجيزة: ثورة 23 يوليو أعادت الكرامة للطبقة العاملة    أهم أخبار الكويت اليوم.. ضبط شبكة فساد في الجمعيات التعاونية    حملة للتبرع بالدم فى مديرية أمن أسيوط    الجريدة الرسمية تنشر قرارين للرئيس السيسي (تفاصيل)    هل يواجه المستشار الألماني ضغوطا لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل؟    «انتهت رحلتي».. نجم اتحاد طنجة يوجه رسالة إلى جماهيره قبل الانتقال للزمالك    "حلو التان" أغنية ل أحمد جمال بتوقيع الشاعرة كوثر حجازي    تقديم الخدمات المجانية ل 4010 حالات ضمن حملة "100 يوم صحة" بالمنيا    بكم طن الشعير؟.. سعر الأرز اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025 في الأسواق    «في فرق كبير والتاني بيستخبي».. عبدالحفيظ يعلّق على تصرفات إمام عاشور وفتوح    وزير قطاع الأعمال يبحث مع هيئة الشراء الموحد التعاون بقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية    الداخلية تواجه سرقة التيار الكهربائي ب4120 قضية في يوم واحد    أدعية لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة من الشيخ أحمد خليل    رفع الأشجار المتساقطة من شوارع الوايلي غرب القاهرة    البورصة المصرية تخسر 12.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    انتظام محمد السيد في معسكر الزمالك بالعاصمة الإدارية    وزيرة التخطيط تلتقي ممثلي شركة ميريديام للاستثمار في البنية التحتية لبحث موقف استثمارات الشركة بقطاع الطاقة المتجددة    نقابة أطباء قنا تحتفل بمقرها الجديد وتكرم رموزها    تنسيق كلية تجارة 2025 علمي وأدبي.. مؤشرات الحد الأدنى للقبول بالجامعات    افتتاح نموذج مصغر للمتحف المصري الكبير بالجامعة الألمانية في برلين (صور)    «هو لازم تبقى لوغاريتمات».. شوبير ينتقد الزمالك بسبب عرضي دونجا وصبحي    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    بعد أيام.. موعد وخطوات ورابط نتيجة الثانوية الأزهرية    مصرع دكتور جامعي وإصابة 5 من أسرته في حادث مروع بالمنيا    فيلم الشاطر ل أمير كرارة يحصد 22.2 مليون جنيه خلال 6 أيام عرض    خاص| دنيا سامي: نفسي أعمل "أكشن كوميدي".. ومبسوطة بنجاح مصطفى غريب    الصحة: إغلاق خمسة فروع لعيادة "بيلادونا ليزر كلينك" للتجميل والعلاج بالليزر    طقس السعودية اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025.. أجواء شديدة الحرارة    اجتماع طارئ بجامعة الدول العربية لبحث الوضع الكارثي في غزة    استخراج جثامين طفلين من الأشقاء المتوفين في دلجا بالمنيا    الخطيب يطمئن على حسن شحاتة في لفتة إنسانية راقية    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى الرئيس النيجيري    العش: معسكر تونس مفيد.. ونتطلع لموسم قوي مع الأهلي    وزير خارجية فرنسا: ما يحدث في غزة فضيحة.. ولا مبرر لعمليات إسرائيل العسكرية    «حرب الجبالي» الحلقة 43 تتصدر التريند.. أسرار تنكشف وصراعات تشتعل    10 تيسيرات من «الداخلية» للمُتقدمين للالتحاق بكلية الشرطة 2025    من الهند إلى أوروبا.. خطة سرية كبرى بين نتنياهو وترامب لليوم التالي بعد إنهاء الحرب في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجربة التركية.. بين التراكم والاحتشاد
نشر في المصريون يوم 28 - 05 - 2010

حينمَا كنتُ أتابع بسرور إنجازات حكومة رجب طيب أردوغان المتتابعة، والتي كان آخرها إعلان افتتاح فضائية تركية باللغة العربية، وقعت عيني على مقطع في نهاية الخبر يقول أن إدارة الفضائية الجديدة ستكون على صلة بإدارة ونهج المفكر والداعية الإسلامي فتح الله كولن.
تملَّكَني الفضول لوهلة لمعرفة هذه الشخصية الغامضة بالنسبة لي والتي طالما قرأت عنها، ترابطتْ أمام ناظري خيوط التجربة واتضحت معالم الرؤية في فهم سر هذا الظهور التركي المشرِّف المتمثل في حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان.
يسمَّى فتح الله كولن بأبو الإسلام الاجتماعي في تركيا.. ولد عام 1941م، بدأ دعوته وهو في العشرينات من عمره وجاب البلاد طولًا وعرضًا واعظًا مؤثرًا بين الجوامع والمنتديات والمجالس مخاطبًا القلوب والأذهان حتى انتشرت دعوته في تركيا بين مختلف الفئات انتشار النار في هشيم، وتميز بدعوته الإصلاحية ومبادراته العالمية وانفتاحه على الغرب.
وما يعنينا في دعوته هنا هو حجم تراكم الإنجازات التي وصل إليها أتباعه في المجتمع المدني في تركيا وغيرها من البلدان التي حلَّ فيها الأتراك، ففي مجال التعليم أسست حركته أكثر من 4000 مدرسة يعمل بها أكثر من 66131 موظفًا، يضاف إلى ذلك امتلاك 17 جامعة على المستوى الدولي، أما في المجال الإعلامي فتمتلك حركة كولن خمسة قنوات تليفزيونية في الولايات المتحدة وتركيا تبث من خلالها البرامج التربوية المفيدة، إضافة إلى الجرائد، والتي من أشهرها جريدة "زمان" التي تعتبر الآن من أكبر الجرائد في تركيا وتباع منها في كل يوم 800000 نسخة.
أما في مجال الحوار مع الغرب فقد تم إنشاء 50 مركزًا للحوار بين الأديان في الولايات المتحدة و30 مركزًا في مختلف دول قارة أوروبا، إضافة إلى غيرها من المشاريع في القطاعات الأخرى.
وما أدهشني واستوقفني في هذه التجربة هو مصادر تمويل تلك المشاريع والخدمات، حيث أكد أحد ناشطي الحركة أنها تعتمد على نظام الوقف وتقوم شبكة تجارية بإدارتها، وتعتبر أكبر مصادر تمويلها وهذه الشبكة تدير الأعمال في مختلف المجالات ويعمل بها أكثر من 30000 شخص، وتعمل كمؤسسة خيرية يذهب ريعُها إلى مشاريع الحركة كوقف.
وفي الواقع يعتبر التمويل عن طريق الوقف حلًا مثاليًّا خاصة في المؤسسات التعليمية التي إذا دخلت فيها التجارة أو السياسة أفسدتها، فشكّل الدعم عن طريق الوقف تحررًا من السياسات المقيدة في المدارس الحكومية، والغرض التجاري في المدارس الخاصة.
ويبدو جليًّا مما سبق ذكرُه حجم تراكم إنجازات المجتمع المدني، إضافة إلى ملاحظة هامة وهي العمل المؤسسي في شتى تلك المجالات، وهذا يقودنا للحديث عن المسار الثاني والمتمثِّل في الاحتشاد: وهو مسار يحشد القائد السياسي فيه طاقات الدولة باتجاه رؤية معينة.
ويعدُّ رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، شخصية غنية عن التعريف أفعاله سبقت أقواله، وما نورده هنا هو ما يتعلق بالاحتشاد وتلاقيه وبنائه على مسار التراكم في المجتمع التركي.
العمل السياسي
أسَّس أردوغان ورفاقه حزب العدالة والتنمية عام 2001م منفصلين بذلك عن أستاذهم نجم الدين أربكان وخاضوا بحزبهم الجديد الانتخابات التشريعية عام 2002 وحصلوا على 363 نائبًا، مشكِّلين بذلك أغلبية ساحقة أهَّلتهم لتكوين الحكومة منفردين.
الاقتصاد
فبعد الأزمة المالية التي عصفت بتركيا عام 2001م ومع مجيء حزب العدالة والتنمية للحكم حدثت تحولات محورية في هذا المجال:
1. قفز الناتج المحلي الإجمالي من 350 مليار سنة 2002 إلى 750 مليار سنة 2008.
2. قفز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 3300 دولار عام 2002 إلى 10000 دولار عام 2008.
3. ارتفع حجم الصادرات من 33 مليار إلى 130 مليار في نهاية سنة 2008
4. وصلت معدلات النمو طيلة الفترة الواقعة بين 2002-2006 يقدر ب 6.9%.
5. أصبحت تركيا في المرتبة السادسة عشرة في ترتيب أكبر الاقتصاديات على المستوى العالمي، والسادسة على المستوى الأوروبي.
العلاقات الدولية
بعد تولِّي أردوغان رئاسة الحكومة عقد تصالحًا مع الأرمن بعد عداء تاريخي، وكذلك فعل مع اليونان وروسيا، وفتح جسورًا بينه وبين أذربيجان وبقية الجمهوريات السوفيتية السابقة، وأرسى تعاونًا استراتيجيًّا مع العراق وسوريا وفتح الحدود مع بعض الدول العربية، ورفع تأشيرة الدخول، وبالمقابل صعد خطابه ضد إسرائيل ومنع استخدام الأجواء التركية للحرب على العراق، وتبنى مسار التوجه للاتحاد الأوروبي، أصبحت مدينة إسطنبول العاصمة الثقافية الأوروبية عام 2010، أُعيدت لمدن وقرى الأكراد أسمائها الكردية بعدما كان ذلك محظورًا، وسمح رسميًّا بالخطبة باللغة الكردية، وافتتح تليفزيونًا رسميًّا ناطقًا بالكردية والعربية، وأصبحت تركيا لاعبًا إقليميًّا مهمًّا في المنطقة.
العلاقة بين التراكم والاحتشاد
1- نرى مما سبق أن أردوغان لم يظهر فجأةً ولم يتحرك في فراغ، وإنما بنى طاولته السياسية المتوازنة على أرجلها الأربع : الذات (حزب العدالة والتنمية)، المجتمع (ماذا يحتاج وكيف يمكن أن يساعدني؟) الوضع الإقليمي (الموقف التركي مع إسرائيل)، الوضع الدولي (الموقف التركي مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا).
2- تمثّل الشعبية التي يملكها أردوغان وحزب العدالة سلاحًا هامًّا في مواجهة المؤسسات العسكرية والقضائية الحامية للعلمانية، والتي تعرقل الإصلاحات التي يسعى لتحقيقها.
3- سهَّلت الثقافة والتراكم في مجال الحوار والتسامح من سياسات أردوغان، فيما يخص الأكراد والانفتاح على العالم الغربي والعربي.
4- تمثِّل المؤسسات وجماهير كولن رافدًا أساسيًّا للأصوات الانتخابية والأموال والدعاية التي توفرها المؤسسات الإعلامية التابعة لكولن.
واقعنا العربي
يهدف هذا المقال إلى توضيح الرؤية حول علاقة التراكم بالاحتشاد في التجربة التركية ومقارنته بالواقع العربي.
صناعة الرؤية: الرؤية هي أقوى دافع وحافز يدفع الإنسان للحركة، وسبب أساسي للخمول التي تعيشه الأمة هو الالتباس وعدم وضوح الرؤية، فالفكرة السائدة هو انتظار القائد السياسي الذي سيصلح البلاد والعباد، متى سيعود صلاح الدين؟ متى سيظهر المهدي المنتظر؟ متى....؟ ولكن مما سبق ذكره في التجربة التركية يتضح المسار والعلاقة بين تراكم إنجازات المجتمع وظهور القائد السياسي المنتظر.
عمرو خالد ومسار التراكم
يرمزُ الداعية المصري عمرو خالد إلى مسار التراكم في المجتمع المدني العربي، والذي تمثل في مشروع صناع الحياة، والذي تابعه الملايين واشترك في مشروعاته أكثر من مليون شاب وفتاة في الوطن العربي، هذا المشروع الذي تحوَّل إلى مئات المجموعات الشبابية التطوعية التنموية في كل مدينة عربية كبيرة وفي أماكن تواجد الجاليات العربية في الغرب وتقوم هذه المجموعات بمشاريع تنموية في مجالات الصحة والتعليم والبطالة وغيرها، وتم تنفيذ مشاريع عديدة منها مشروع حماية للوقاية من المخدرات، والتي تمت في العالم العربي بشراكة بين الأمم المتحدة ومؤسسة Right Start التي يقودها الأستاذ عمرو والعديد من الجهات الحكومية في مصر والإمارات والأردن وغيرها، ووزع في هذه الحملة أكثر من 3 ملايين منشور، ونفذ أكثر من 47944 نشاط وتم إقناع 3310 مدمنين للبدء ببرنامج للعلاج.
مشروع "لا تؤذنا بدخانك" والذي شارك فيه أكثر من 700 ألف شاب وفتاة، واختير هذا المشروع من قِبل منظمة الصحة العالمية كأفضل مشروع صحي لعام 2004، مشروع زراعة أسطح المنازل والذي انتشر في العديد من المدارس والبنايات والكليات، مشروع دار الترجمة، والذي ينتظم فيه مئات المترجمين المتطوعين ويمثلون أكثر من 12 لغة وقاموا بترجمة عشرات الكتب.
يُضاف إلى ذلك مبادرة الدانمارك للحوار على أثر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم والذي ذهب على إثره الأستاذ عمرو خالد وعدد من الدعاة والشباب العربي للتحاور مع الشباب والمجتمع المدني في الدانمارك وتعريفهم بمحمد عليه الصلاة والسلام، وتركت هذه المبادرة أثرًا إيجابيًّا في الإعلام الدنماركي وتعريفًا صحيحًا عن نبي المسلمين.
بالرغم من هذه الصحوة والمبادرات فلا يزال التراكم غير منتظم ويفتقر إلى التفرغ والتخصص والعمل المؤسسي، كما شاهدنا في التجربة التركية في حركة كولن، وعليه فتعليق الأنظار على المربع المجهول الذي سيطلُّ منه القائد السياسي عوضًا عن المشاركة في تراكم الإنجازات في المجتمع، هو مضيعة للوقت ومخالفة للسُّنن التي وضعها الله في كونه.
وفي الآية: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (سورة الرعد 15)، والآية "وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا" (الأنعام 129).
فإن كان المجتمع مستبدًّا ويسود فيه الرأي الواحد، وُلِّي عليه مَن يستبد برأيه ويبطش بخصومه، وإن كانت المصلحة العامة طاغية على همّ المجتمع أكثر من المنفعة الشخصية جاء من السياسيين من يهتم بالشأن العام ويقدمه على مصلحته، وإن انتشر في المجتمع هم الوحدة والحرية، جاء إلى السلطة من يوحد الأمة ويحرِّرها.
المصدر: الإسلام اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.