شاهدت أمس لقطات عرضها التليفزيون المصري عن مباراة كرة القدم بين نادي الفيوم ونادي الزمالك ، اللقطات لا تخص مجريات اللعب ، وإنما مشاهد الناس في المنازل المحيطة بالاستاد الرياضي ، كان الاستاد ممتلئا عن آخره ومكتظا بالمشجعين من أجيال مختلفة صغار وشباب وكهول وكبار ، كتل بشرية هائلة متزاحمة لكي "تفرح" برؤية فريق العاصمة الكبير ونجومه الذين يشاهدونهم في التليفزيون والفضائيات ويقرأون عنهم في الصحف دون أن تتاح لهم فرصة ولو مرة واحدة في كل عام لكي يرونهم ويفرحون بفنونهم في الملعب ، وكان المشهد الأكثر إثارة هو مشهد البيوت المحيطة بالاستاد حيث امتلأت "البلكونات" وأسطح المنازل وحتى البيوت التي تحت الإنشاء ، امتلأت بالبشر ، كلهم يبحث عن مساحة للبهجة أو الفرحة ، شعرت حينها كم يرتكب اتحاد الكرة المصري من جرائم في حق المصريين ، وكم ترتكب وزارات ومسؤولون من آثام في حق ملايين المواطنين بتواطؤهم على حرمان هذه الملايين من حقهم في المشاركة والفرحة ، بعض مباريات الكرة في الدوري الممتاز ترى فيها المدرجات الواسعة وهي خاوية على عروشها ، لا يوجد ناس ، لا يوجد جمهور ، لأنها فرق وهمية ، وفي مباريات فريق الشرطة تقوم الداخلية ، لتغطية الفضيحة بإرسال عدة كتائب من المجندين يمارسون دور المشجعين في المدرجات حتى لا تبدو فارغة من المشجعين ، والشيء نفسه تفعله القوات المسلحة في مباريات فرقها ، والأمر نفسه مع فرق الشركات ، يحدث هذا في الوقت الذي يحرم فيه ملايين المشجعين الحقيقيين من فرصة المتعة البريئة ، وحق المشاركة في الرياضة الشعبية الأهم ، كل ذلك لأن بعض المسؤولين يبحثون عن متعتهم الشخصية ومجدهم الشخصي ووجاهتهم الاجتماعية والإعلامية ، وليشرب ملايين المصريين من ماء البحر إن لم يعجبهم ، تخيل معي أن أندية البترول والجيش والشرطة فقط كان لهم هذا الموسم نصف عدد أندية الدوري الممتاز ، رغم أنه لا يوجد لهم جمهور أصلا ، في الوقت الذي لا يوجد فيه لتسعين في المائة من محافظات مصر أي أندية في المسابقة الكروية الأهم ، والذي يغيظ فعلا أن أندية الشركات والبترول والشرطة والجيش يتم الإنفاق عليها من مال الشعب ، ومع ذلك يحرمون "الشعب" من حقه في المتعة ، لمجرد إثبات الذات والوجاهة الشخصية ، تخيلوا معي أن خط الصعيد بكامله تقريبا لا يوجد له فريق في الدوري الممتاز ، أسيوط والمنيا وسوهاج وقنا والاقصر وأسوان ، كل هذه المحافظات التاريخية والمترعة بالمواهب والملايين من محبي كرة القدم لا يوجد لهم نادي في الدوري الممتاز يفرحون به ويجلب لهم الأندية الشهيرة لرؤيتها ، وتخيل معي أن محافظات الشرقية والدقهلية والغربية وكفر الشيخ ودمياط والبحيرة والقليوبية ، يعني الدلتا كلها تقريبا ، لا يوجد لها أي فريق في الدوري الممتاز ، محرومة من ذلك بقرارات رسمية ، ونفس الشيء شمال سيناء وجنوب سيناء ومرسى مطروح ، لأن اللعبة مدارها على الإمكانيات المادية ، والأندية الشعبية لا تملك ملايين ، وإنما تملك هذه الملايين شركات البترول والشرطة والجيش والشركات الأخرى ، وهي أموال عامة وليست خاصة ، فلماذا توجه إلى صناعة فرق وهمية بلا جماهير لمجرد وجاهة معالي الوزير ، ويحرم من "المال العام" كل محافظات مصر ، لماذا لا تصدر قرارات سيادية ملزمة لشركات البترول والمؤسسات الأخرى بالتوقف عن إهدار المال العام في صناعة الوهم ، وتوجيه هذه الأموال لدعم فرق المحافظات ورعايتها ماديا بحيث تكون هناك عدالة وتكافؤ في البهجة القليلة الباقية للناس في بلادنا ، هذا المال العام ليس من حق معالي الوزير أو المحظوظين من حوله والمنتفعين من هذه "السبوبة" ، وإنما هو من حق هؤلاء الملايين من المواطنين البسطاء في دلتا مصر وصعيد مصر ، من حقهم أن يفرحوا ومن حقهم أن يشاركوا ومن حقهم أن يشعروا ولو في الكرة أنهم جزء من هذا الوطن ، هذه المعضلة تتزايد خطورتها مع الأيام لأن هناك صفا من الشركات والوزارات تنتظر دورها لزرع فريقها في الدوري الممتاز ، وخزائنها جاهزة لشراء دستة لاعبين مميزين ، فالأمر ليس فيه عبقرية ولا إنجاز ، ولن تتوقف هذه المهازل إلا بتدخل الرئيس نفسه لتصحيح الأوضاع ، وأظن أنها ليست معضلة . [email protected]