قالت وكالة الأنباء الأمريكية "أسوشيتد برس" إنها تعرضت لضغوط أمنية، الأسبوع الماضي، لمنعها من تقديم خدمة البث التلفزيوني الحي من ميدان التحرير لقناة "الجزيرة" الفضائية. وأضافت أن مسئولًا كبيرًا بجهاز الشرطة أمر الوكالة الأمريكية بوقف تزويد قناة الجزيرة بلقطات تلفزيونية حية من ميدان التحرير، غير أن الوكالة ردت على تلك الضغوط بإرسال اثنين من مديريها التنفيذيين إلى القاهرة للاحتجاج على ما وصفته ب"القمع".وبعد سلسلة من الاجتماعات مع كبار المسئولين الحكوميين، والذين أكدوا لممثلي الوكالة أن قرار الإغلاق ليس سياسة رسمية للحكومة، تمكنت الأسوشيتدبرس من استئناف تقديم خدمة البث الحي لقناة الجزيرة بدءًا من الأربعاء الماضي. وكانت قناة الجزيرة الإخبارية قد تعرضت بدورها لعدة ضغوط في أعقاب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، حيث تعرض مدير مكتبها للطرد من مؤتمر صحفي مشترك للجيش والشرطة يوم الاثنين الماضي بطلب من أحد الصحفيين العاملين بوكالة الأنباء المملوكة للدولة. وكانت قوات الأمن قد اقتحمت مكتب "الجزيرة" بالقاهرة ليلة الإطاحة بمرسي وقامت باعتقال العاملين بها واحتجاز كبار موظفيها بالعاصمة المصرية لعدة أيام، كما تم اعتقال مراسل القناة وثلاثة من فريق التصوير بالسويس من قبل قوات الجيش وذلك أثناء تغطيتهم للأحداث. وعلى ضوء تلك الضغوط، أعدت الأسوشيتد برس تقريرًا تناولت فيه أداء الإعلام المصري في أعقاب الإطاحة بحكم مرسي بالإضافة إلى الحملات العنيفة التي تتعرض لها وسائل الإعلام الأجنبية في مصر. وقال التقرير إن المحطات التلفزيونية الخاصة والمملوكة لعدد من رجال الأعمال الأثرياء والمعارضين للإسلاميين، أوسعت مرسي انتقادًا وملأت الدنيا ضجيجًا محذرة من احتكار الإخوان المسلمين للسلطة والتعدي على حريات الصحافة والحريات المدنية، ومنددة بخطابات الكراهية العنيفة من قبل حلفاء مرسي المتشددين، وبتعرض المتظاهرين للقتل من قبل قوات الشرطة في ظل حكمه. غير أن هذه القنوات لم تصدر كلمة انتقاد واحدة في حق الجيش في الأيام الأخيرة حتى بعد تعرض أكثر من 50 من مؤيدي الرئيس المعزول للقتل من قبل قوات الأمن يوم الاثنين الماضي، حتى إن لميس الحديدي، التي تعد أبرز مذيعة في فضائية السي بي سي الخاصة والمتحدثة باسم حملة مبارك الانتخابية في عام 2005، خرجت محذرة المشاهدين من اعتبار القتلى "شهداء"، وألقت باللوم على الإسلاميين فيما وصفته ب"مذبحة جديدة يرتكبها الإخوان". ولم تكن "الجزيرة" وحدها من تعرضت لضغوط، فقناة السي إن إن الإخبارية الأمريكية أيضًا تعرضت لحملة انتقادات شرسة فيما تعرض مراسلوها في مصر لمضايقات وذلك بعد اتهام معارضي مرسي لها بالتحيز لجماعة الإخوان المسلمين وذلك بسبب وصفها للإطاحة به ب"انقلاب". وبحسب توني مادوكس، المدير التنفيذي لقناة "سي إن إن إنترناشيونال"، فما جلب الانتباه للسي إن إن هو أنها وصفت التدخل العكسري في مصر بالانقلاب منذ اللحظة الأولى. وقال مادوكس "بعض الناس لا يريدون وصف ما حدث بذلك، ولكني أخشى أن هذا بالفعل ما حدث وسوف نسمه كما نراه". من جانبها، قالت لينا عطا الله، رئيس تحرير موقع "مدى مصر" الإخباري، إن هناك ضغوطُا متزايدة على الصحفيين وخاصة في تغطية قتل المتظاهرين أمام مبنى الحرس الجمهوري، الاثنين الماضي، معتبرة أن الأمر المخيف حول أداء الإعلام هذه المرة هو أن هناك "المزيد من التدخل من الأعلى في تحديد أجندة الإعلام". ولم يتوقف التقرير عند الإعلام المصري الخاص، ولكنه تطرق أيضًا لوسائل الإعلام الرسمية ومن بينها صحيفة الأهرام التي قال إن نظرة واحدة على عناوينها تكفي لمعرفة من يحكم مصر. وقال التقرير إن كل من يتصدر الحكم في مصر يملأ صحيفة الأهرام بمواليه لضمان تماشي رؤيتها مع مصالحه، ففي عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك كان رئيس تحرير الجريدة أحد المقربين من الرئيس وكانت قوات الأمن تتدخل بقوة في تغطيتها الإخبارية تمامًا كما كان يحدث مع التلفزيون الرسمي. كما تحظى غرفة أخبار الأهرام بسمعة سيئة من الوساطة والمحسوبية وتأثير مصالح الهيئات الأخرى التابعة لمؤسسة الأهرام ومن بينها وكالة الأهرام للإعلانات. وبتولي مرسي الحكم كأول رئيس مصري منتخب بحرية، توقع العديد من العاملين بالأهرام حدوث إصلاحات، غير أن خيبة الأمل كانت كل ما وجدوه وذلك بعدما قام الإخوان بتعيين رئيس تحرير جديد يملك قدرًا ضئيلًا من الخبرة، والذي قام بتحويل التغطية لتصب في صالح الإسلاميين. وأشار التقرير إلى أن رئيس التحرير الجديد، عبد الناصر سلامة، قام بطرد عدد من الإصلاحيين الذين تم تعيينهم بعد الإطاحة بمبارك ثم أعاد عدد من المحررين الذين أحيلوا للتقاعد. غير أن الإخوان المسلمين كانوا أقل نجاحًا في الهيمنة على وسائل الإعلام الحكومية من الجيش، حيث واجهوا قدرًا من المقاومة، ففي أحد المرات أنهى مذيع النشرة الإخبارية على التلفزيون الرسمي ساخرًا بشكر الرئاسة على توفيرها للمادة الإعلامية، فيما انسحبت أخرى على الهواء مباشرة معلنة أنها تفضل الموت على إطاعة توجيهات الإخوان. أما مع تولي الجيش زمام الأمور الآن، فإن مظاهر "وخز الضمير" هذه اختفت تمامًا وعاد الإعلام الرسمي لدعم أولئك في السلطة ببراعة.