بالتأكيد مرت بك مثلي لحظات تستحضر فيها أشخاص بعينهم خصوصا وأنت في الأماكن المقدسة أو في خلوتك بينك وبين ربك تسبحه وتشكره وتستغفره ! هذا شعور عجيب ألّم بي وأنا في البيت الحرام الأسبوع الماضي فقد جال بخاطري أناسٌ لا أعرفهم، لم ألتقِ بهم لكني قرأت أو سمعت عنهم فوجدتني أدعو لهم على غير أنسابٍ ولا أرحامٍ بيننا ولا تجارةٍ نتعاطاها.. يقولون أن هذا النوع من الحب يعرف بأنه الحب في الله ... حب بلا غرض، ولا هدف سوى أن يرضى عنك الله وعن هؤلاء الذين تستحضرهم أو تستحضر أرواحهم لتمثل أمام عينيك فلا تملك سوى أن تذكرهم بالخير وتدعو لهم بالمغفرة.. في لحظات الصفاء تلك تجد نفسك صغيرا متناهياً في الصِغَرِ أمام الكبيرِ المتعال ولكنّ صِغَرِ قامَتك وضآلة حجمك لا يمنعانك أبداً من التحدثِ إليه والطلبَ منه وسؤاله... وتشعر بأنك فعلا قريب، قريبٌ إلى درجة تخشى على نفسك من أن تخترق فتحترق ، أو تدنو فتَفْنَى ... ولم لا وهو القائل ( إذا سألك عبادي عني فإني قريب وقال أيضا ( ادعوني استجب لكم ) ، تجد نفسك ساعتها – إن فتح الله عليك – تطلق لقلبك قبل لسانك العنان بالدعاء تارة وبالشكر تارة وبالثناء والحمد لله تارة أخرى. في البيت الحرام وأمام الكعبة المشرفة تسبح روح المرء في عالم آخر ... عالم بلا شياطين ، بلا سياسة ، بلا فساد ، بلا خصومة بلا لجنة السياسات وبلا اعتقالات أيضا .... كل ما هنالك نور وأنوار ، روح وريحان ، قلوب متعلقة بأستار الكعبة ترجو من الله القبول . صحيح أننا نطوف حول حجر لا ينفع ولا يضر ولكن رمزية الفعل تنبئك بأن ما نقوم به هو الانصياع التام ، والاستجابة بلا تردد فلماذا لا نفعل ذلك بعد أن نغادر الحرم ونخلع ملابس الإحرام... ! عند المسجد الحرام أو في الصفا والمروة قد تلتقي بمن باعَدَت بينك وبينهم الأيام والمسافات وقد كنتم بالأمس القريب أقرب ما تكونون ، فيذكِّرُ بعضُكم البعضَ بالأيام الخوالي وبأصدقاءً بعضهم على قيد الحياة والبعض الآخر انتقل إلى الرفيق الأعلى .. فتدمع العيون وتحزن القلوب ، ونردد قول المعصوم صلى الله عليه وسلم ( إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك يا فلان لمحزونون ) وعند نفس المكان أتذكر القراء الأعزاء وأدعو لهم ... وأتذكر كل من واساني أو هنأني أو عاتبني أو أهداني عيبا فأستغفر الله له ... في جوف الليل البهيم تجد الطائفين والعاكفين والركع السجود ، لا فرق بين ليل ونهار ، بين صباح ومساء هنا يصل المحبون الليل بالنهار بلا شكوى ولا تعب ولا أنين ... وكيف يشتكون وقد جاء بهم الشوق ودفعهم إلى هذه الأماكن الحنين ! وتشعر وأنت تغادر بأنك ذاهب إلى المجهول عائد إلى الكَدَر بعد الصفاء وإلى الشقاء بعد النعيم عائد كنجمٍ سبح في فضاء السماء ثم جاء وقت الأُفُول !! جميل أن تحب في الله من تعرفهم والأجمل أن تحب حتى أولئك الذين لا تعرفهم آخر السطر على غير موعد التقينا ففاض الحب من القلوب لو دام الحب ... لو صفينا لكنا ملائكة تمشي على الأرض بغير عيوب !