قامت الحضارة النوبية بين أحضان شاطئ النيل منذ بداية التاريخ فعشقت المكان والزمان وامتدت جذورها إلي أعماق النيل ورسمت بين التلال والرمال صور التلاحم والتوأمة والانتماء ، وظلت تهيم حباً وغراماً لساحرة كل كيان وأنطلق من بين أركانها شرارة وميلاد الحضارات وتحركت معها سبل الحياة والبقاء ، فطرحت بين ساحاتها أغصان الشجر والنخيل الشامخة مدي الحياة . النوبة عشقت النيل وصار النيل هو العنوان والميلاد والتاريخ وحضارة إنسان أرتوي وأدمن الشريان لنبحر معه من النبع للانتهاء . ينبع النيل من الحبشة عند درجة العرض 4 جنوباً ويواصل مسيره حتى يصل إلي نهاية مصبه في الدلتا شمال القاهرة عند درجة العرض ( 30 - 31 شمالاً) أي أن النيل يخترق أكثر من 35 درجة عريضة وهي ظاهرة فريدة وليس لها مثيل في أنهار العالم الاخري مما أدي إلي امتداد أقاليم مختلفة في حوض النيل من النطاق الاستوائي في الجنوب إلي حافة النطاق المعتدل حوض البحر الأبيض المتوسط في الشمال مروراً بإقليم السفانا والإقليم الصحراوي وبالتالي قد ربط عدة دول من شرق أفريقيا إلي شمالها وهي كالأتي ( تنزانيا - بوروندي - رواندا - الكنغو - كينيا - أوغندا السودان - مصر - أثيوبيا ) ترجع تسمية النيل بهذا الاسم نسبه إلي المصطلح اليوناني Neilos كما يطلق عليه في اليونانية أيضا اسم Aigyptos (باليونانية) وهي أحد أصول المصطلح الإنجليزي لاسم مصر Egypt . وينبع النيل الأزرق من بحيرة تانا الواقعة في مرتفعات أثيوبيا ويطلق في إثيوبيا علي هذا النهر كلمة ( آبباي )ويستمر هذا النيل حاملا اسمه السوداني في مسار طوله 1400 كيلو متر حتى يلتقي بالفرع الآخر النيل الأبيض ليشكلا معا ما يعرف باسم النيل منذ هذه النقطة وحتى المصب في البحر المتوسط. أما النيل الأبيض فهو ينبع من بحيرة فيكتوريا والتي هي المصدر الأساسي لمياه نهر النيل تقع هذه البحيرة علي حدود كل من أوغندا تنزانيا وكينيا، وهذه البحيرة بدورها تعتبر ثالث البحيرات العظمي بالتوازي، يعتبر نهر روفيرونزا في بوروندي هو الحد الأقصى لنهر النيل، وهو يشكل الفرع العلوي لنهر كاجيرا يقطع نهر كاجيرا مسار طوله 690 كم ( 429 ميل) قبل دخوله إلي بحيرة فيكتوريا. بعد مغادرة بحيرة فيكتوريا، يعرف النيل في هذا الجزء باسم نيل فيكتوريا ويستمر في مساره لمسافة 500 كم ( 300 ميل) مرورا ببحيرة كييوجا حتى يصل إلي بحيرة ألبرت بعد مغادره بحيرة ألبرت، يعرف النيل باسم نيل ألبرت ثم يصل النيل إلي السودان ليعرف عندها باسم بحر الجبل، وعند اتصاله ببحر الغزال يمتد النيل لمسافة 720 كم يعرف فيها باسم النيل الأبيض، ويستمر النيل في مساره حاملا هذا الاسم حتى يدخل العاصمة السودانية الخرطوم. النيل الذي يعتبر ثاني أطول أنهار العالم بطول 6671 كيلومتر تقريباً وطوله داخل الحدود المصرية 1530 كيلو متر وطوله في بلاد النوبة قبل الهجرة والسد العالي 320 كيلو متر وطوله من أدندان إلي القاهرة 1188 كيلو متر ومن أسوان للقاهرة 965 كيلو متر وطول فرع دمياط من القناطر الخيرية إلي البحر الأبيض المتوسط 242 كيلو متر وطول فرع رشيد 236 كيلو متر . وقد ساهم النيل في أنشاء خطوط موصلات عديدة من أهمها : --- السد العالي - وادي حلفا بطول 338 كيلو متر . كريمة - دنقلة - كرمة بطول 335 كيلو متر . الخرطوم - كوستي بطول 375 كيلو متر . كوستي - جمبيلة (السوباط) بطول 1069 كيلو متر . كوستي - جوبا ( بحر الغزال ) بطول 1127 كيلو متر . كوستي - جوبا ( بحر الجبل ) بطول 435 كيلو متر . وقد ظل النيل لغزاً حائراً حتى القرن التاسع عشر عندما حاول وأستطاع المستكشف الإنجليزي جون هاننج سبيك عام 1858 م الوصول إلي بحيرة فيكتوريا، أما نظيره صاموئيل وايت بيكر فقد استطاع الوصول إلي بحيرة ألبرت في عام 1864. بعدهما قام المستكشف الألماني جورج أوغست شوينفروث باستكشاف بحر الغزال في الفترة بين عامي 1868 و1871، بينما قام نظيره الأنجلو أمريكي هنري مورتون ستانلي باستكشاف بحيرة فيكتوريا في عام 1875 وتبعها بالوصول إلي بحيرة إدوارد عام 1889م وهكذا حل لغر النهر الذي ظل غامضا للآلاف السنين. و في 14 يناير 2004، قام هندري كوتزي من جنوب إفريقيا برحلة للإبحار في النيل الأبيض، وتعتبر أول رحلة للإبحار في هذا النهر بطول مساره. وقد استغرقت هذه الرحلة 4 أشهر وأسبوعان، حتى وصل إلي مدينة رشيد المصرية علي البحر المتوسط. وتعتزم ناشيونال جيوجرافيك إنتاج فيلم وثائقي عن هذه الرحلة بعنوان " The Longest River " ( أي أطول الأنهار بالعربية) أما في 28 ابريل 2005 فقد قام الجيولوجي باسكال سكاتوررو وشريكه كياكار ومخرج الأفلام الوثائقية جوردون براون برحلة لاستكشاف النيل الأزرق، وتعتبر هذه أيضا أول رحلة للإبحار في هذا النهر بطول مساره بدء من بحيرة تانا في أثيوبيا، وقد وصلوا مدينة الإسكندرية المصرية علي البحر المتوسط. وقد وثقت هذه الرحلة في فيلم يحمل عنوان: (أي لغز نهر النيل بالعربية) كما صدر أيضا كتبا بنفس العنوان. لذا كان النيل التوأم الروحي والتاريخي والحضاري لمصر والنوبة منذ أقدم العصور والزمان . رحال النوبة جمال القرشاوي [email protected]