لا يتمنى مصري أو أفريقي صراعا عسكريا على المياه في حوض النيل، فعلاقات الود والإحترام والمصالح المتبادلة هي الأساس ويجب أن تظل للنفس الأخير، لكن التاريخ يؤكد أن الدول ذات الأمن القومي العابر للحدود لابد أن تكون لديها القوة العسكرية المؤهلة لحماية أمنها. موقفنا القانوني قوي جدا.. نعم هذا لا شك فيه. لكن القانون وحده لا يكفي دائما لحماية المصالح الاستراتيجية، فاسرائيل مثلا تحتل فلسطين متحدية القانون الدولي منذ تأسيسها، ولم يستطع أحد أن يفعل لها شيئا أو يردها عن أطماعها المستمرة. نتحدث عن الاتفاقيات التاريخية وتوارثها مهما تغيرت الأنظمة، لكن دول المنبع تتحدث من جانبها بأنها غير معنية بذلك، وأنها متفقة جميعها على إطار جديد ينظم الاستفادة من النيل. المسكوت عنه بالنسبة لنا هو البديل الذي نستطيع أن نلوح به إذا استمرت دول المنبع في التحدي ومضت بعيدا في تنفيذ نواياها، خصوصا إذا كان هناك من يطن في أذنها ويلعب في رأسها. السؤال هو: إذا وجدنا أنفسنا أمام بديل وحيد هو إستخدام القوة العسكرية، فهل نحن مهيئون لذلك؟.. هل نملك القوة التي كانت لدينا قبل حرب 1973 بنفس الكفاءة على الأقل، مع أنه مضى على تلك الحرب نحو 38 عاما، تطورت فيها موازين القوى والاستراتيجيات العسكرية؟ هل نستطيع مثلا أن نقول إن لدينا الظافر والقاهر، كما كان السادات يردد قبل حرب 73؟ قرأت مؤخرا تقريرا أمريكيا يؤكد إننا لسنا بنفس كفاءة حرب العبور، التحديث ليس بالشكل الذي كان عليه عندما كنا في حالة حرب، والامكانيات الحالية لا تتيح صمودا طويلا. إيران تلوح دائما بقوة الردع التي لديها ممثلة في سلاحها النووي وصورايخها طويلة المدى، وهي تقريبا في وضع دولي أسوأ منا بسبب الحصار والخوف منها والتربص بها، فيما نستطيع نحن تنويع مصادر السلاح والحصول على أحدثه، والاستفادة من علاقاتنا العربية، خصوصا السعودية وليبيا، في بناء ترسانة قادرة على حماية مصالحنا العابرة للحدود الممثلة في نهر النيل. تحاشيت هنا أن أقول "الجزائر" مع أنها قوة عربية عسكرية مهمة لنا، لكننا فقدناها بغبائنا الذي رأى أن أمننا القومي لا يتجاوز هواء الجلد المنفوخ! سابقا لوح الرئيس السادات علنا بالقوة لحماية حقوقنا في نهر النيل. وفي الوقت الحاضر سيأتي الوقت الذي سنلوح فيه بالقوة أيضا عندما نفتقد أي بديل آخر وإلا سنموت من العطش. لا نريدها مجرد شعارات وإنما يجب التجهيز لها إذا لم نكن جاهزين فعلا، فمنطقة حوض النيل مكشوفة لنا، ونستطيع أن نجعلها في متناول صواريخ طويلة المدى تنطلق في الوقت المناسب لتدمير السدود والحواجز التي سيجري بناؤها عندما تصبح المسألة حياة أو موت. دولة كبيرة كمصر لا يبنغي أن تلوح بالقانون الدولي والاتفاقيات التاريخية فقط، وإذا ارتكنت على ذلك بدون أن تملك القوة التي توفر احترام القانون والاتفاقيات، فلن تحصل على شئ. ليس هذا تهديد لهم وإنما إعداد أمر الله سبحانه وتعالى به في القرآن الكريم، فالقوة هي التي تحمي السلام وتمنع التلاعب بمصائر الشعوب.