المشهد السياسي في مصر يتجه إلي أوضاع أكثر سخونة ، نحن ندخل الآن المرحلة الأولي من مراحل الانتخابات وهي انتخابات مجلس الشوري ، وستليها انتخابات مجلس الشعب الأهم والأكثر خطورة ومن بعدها الانتخابات الرئاسية . أكثر ما يلفت نظر المراقب أو المحلل في الفترة الأخيرة قسوة الهراوة الأمنية في التعامل مع متظاهري 6 إبريل ، صحيح إن الأمن رفض الخروج بالمظاهرة بجواب علي يد محضر لمن أرسلوا إليه من منظميها يعلنونه بأنهم يريدون تنظيم المظاهرة ، وهذه تقريبا هي المرة الأولي التي ترد الجهات الأمنية علي المتظاهرين . بيد إن المشهد وحجم العنف المستخدم والقسوة البالغة مع المتظاهرات بالذات وبالطبع المتظاهرين كان يشير إلي تحول في سلوك الأمن نحو إمكان استخدام سلاح العنف والترويع علي نطاق واسع لمواجهة المتظاهرين والسيطرة علي الموقف . وبينما تم السماح بمظاهرة أخري كان فيها قدر من العنف بين المتظاهرين الغاضبين ورجال الأمن وتحدثت تقارير عن أن حركة المتظاهرين تتسم بالجرأة ، وهي كانت كذلك فعلا ، ذلك لأن تأثير ما جري يوم 6 إبريل أراد النظام السياسي والأمن استيعابه وفسح مساحة للتعبير عن الغضب من الأذي الذي تعرض له المتظاهرون . بيد إن التقارير الغربية الخطيرة التي تحدثت عن أن حركة التغيير في مصر والتي يقودها الناشطون العلمانيون من حركة 6 إبريل وغيرها من الحركات – لن يقدر لها أن تنجز تحديها الحقيقي للنظام بدون حركة الإخوان المسلمين ، وأوصت بعض تلك التقارير البرادعي أن يتحالف مع حركة الإخوان المسلمين باعتبارها الحركة التي يمكنها أن تحول الكارزيما التي يتمتع بها والأفكار الجديدة التي يطلقها إلي واقع عبر تسهيل التواجد في الشارع المصري الذي يحوز الإخوان علي قدر كبير من دعمه . وبينما كانت حركة الإخوان مترددة في البداية تجاه البرادعي إذا بها تقترب منه أكثر وتعتبر أن أفكاره مدعومة من قبلها وأن ا لحركة ومن يمثلها في الجمعية الوطنية للتغيير يتحركون لا بصفتهم الشخصية وإنما بحسبانهم تعبيرا عن حركة الجماعة وتوجهاتها . لا شك أن هذه التقارير الغربية أصابت النظام السياسي بقدر كبير من الخوف خاصة أن المقابلة التي أجراها المرشد الجديد للجماعة الدكتور محمد بديع مع برنامج العاشرة مساء ً أبدت المرشد الجديد وهو يتبني أفكار المواجهة السياسية القادمة مع النظام وأن ما كان أعلنه في خطبته الأولي بعد تنصيبه مرشدا من أن هناك مساحة بين الجماعة والنظام لن تفضي إلي مواجهة وأن الجماعة قد تؤثر الذهاب إلي العمل التربوي بعيدا عن العمل السياسي ، ما كان أعلنه هذا لن يكون منهج الجماعة التي يبدو أن القطاع السياسي فيها من النواب الحاليين ومن الجيل الذي يؤمن بالعمل السياسي يري ضرورة أن تخوض الجماعة دهاليز السياسة وأضابيرها وساس ويسوس بقوة كبيرة وهو ما لا يريده النظام من الجماعة في تلك الفترة القادمة . خطاب المرشد الجديد مع برنامج العاشرة مساء كان تفصيلا لخطابه الافتتاحية وإظهارا لتوجهات الجماعة التي لا تلين تجاه النظام السياسي وتجاه الحركات الاجتماعية الجديدة وتجاه رفض الصفقات مع النظام ، ومن ثم نحن بإزاء جماعة الآن تجمع بين حضور شعبي في الشارع وبين تنظيم قوي وبين محاولة للارتكان عليهما لخوض عمل سياسي في وقت هو يعبر عن أكثر الأوقات خطرا وحساسية لدي النظام . من هنا كان ما طالعته بالأمس من الحديث عن عودة قضية التنظيم الدولي للإخوان وإحالة خمسة من قيادات الجماعة للمحاكمة وأنا أتوقع الآن أن أسماء جديدة ستضاف لذلك القرار خاصة من أعضاء البرلمان من ممثلي الإخوان وبصرف النظر عن التفصيلات وهل ما في الأوراق صحيح أم لا ، فإن قرار الإحالة المفاجئ لقضية بدا وأن الأمر فيها قد انتهي يعني أن أحد فصول مواجهة النظام مع الجماعة قد تم فتحه من جديد ، وأن هذه الفصول لم تغلق بعد ، وأن قضايا جديدة مرشحة لتفتح . هنا لا ننسي ما أثير من بعض نواب الحزب الوطني الحاكم من فتح النار علي المتظاهرين باعتبارهم خارجين عن القانون ورغم أن قيادات كبيرة في الحزب الوطني كأمينه العام وأمين لجنة السياسات أشاروا إلي رفض ذلك الأسلوب تجاه من يريد التعبير عن رأيه بيد إن من ذهب لقول ذلك تحت قبة البرلمان كان كاشفا ولسانه مغرفة لما تلهج به عقول ونفوس وقلوب كثيرين في الحزب الوطني يرون أن إطلاق الرصاص والضرب في السويداء سوف ينهي هؤلاء المتطاولين . بالطبع أنا هنا لا أنقب في القلوب ولكن يبدو أن بلادي لم تعتد بعد علي التعددية الحقيقية ، وأن ما يجري فعلا تجاه الإخوان هو تعبير ملموس عن سلوك للحزب الحاكم لا يمكنه أن يوجهه للحركات العلمانية ومتظاهريها ، وفي كل الأحوال فإني أري تحت الرماد وميض نار يوشك أن يكون له ضرام ، وقي الله بلادي شر النار وأذاها ووقاها سيناريو الفوضي وحفظها من كل سوء .