مشكلة العصر وفزاعة الأسر.. الهاجس الخفي الذي قد يدفع المرأة للسقوط في هاوية سوء الاختيار تفاديًا منها للسقوط في هاوية العنوسة.. وكيف لها أن تستسلم لهذا اللقب وساحات الفشل مليئة بالبرافانات التي تستطيع أن تخفي فشلها وسوء اختيارها فكم أخفت جدران البيوت من مشاكل وكم بدت شامخة أمام الناس وهي خاوية خربة من الداخل.. فمن تستطيع أن تصمد وهي على مشارف الثلاثينيات من عمرها وقد ألقت أجمل سنوات العمر خلفها بعد أن ضاعت في البحث عن أنيس الروح ووليف النفس وصديق القلب.. كالباحثة عن الإبرة في أكوام القش.. فإذا ما وجدت من ترتاح له وتأنس له النفس لم يجد الباءة لكي يتزوج.. وإذا ما وجدت من يستطيع أن يفتح لها البيت وتحيا معه مصونة لم تجد للأنس والراحة معه سبيل.. تلك قطرة من بحر حكايات الفشل في التجانس والتواؤم مع الشريك.. فتمر الأيام سريعًا فتدرك أنها قد فشلت فيما نجحت فيه الأخريات.. فقد تعلمن منذ نعومة أظافرهن ألا يخرجن من المولد بلا حمص.. فيتساقطن في التجارب الزوجية بوعي أو بلا وعي.. قد تنجح وقد تفشل وقد تبدو كالماء بلا لون وبلا طعم وبلا رائحة.. فيكتفين بالوقوف خلف البرافانات مستترن من العنوسة والوحدة محتمين في ظل الرجل بدلًا من ظل الحائط.
فإذا ما دق جرس الثلاثينيات من العمر.. أدركت من لم تدرك من قبل أنه عليها أن تتخذ القرار الصعب وتخوض التجربة مهما كانت النتائج.. وهنا يكملن التساقط في التجارب الزوجية الواحدة تلو الأخرى.. ويبقى القليلات ممن تحررن من قيد الخوف من السقوط في العنوسة فقد يفضلن العنوسة على سوء الاختيار ويرحبن بالوحدة عن الفشل الزوجي.. ولا يغريهن الإنجاب في ظل الجدران الخربة مثل الأخريات.
يرفض الكثير فكرة التحرر من المخاوف.. ففي كثير من الأحيان تكون المخاوف دافعًا قويًا للاستمرار في الحياة ولو تحررن من المخاوف لوجدت أكثرهن عوانس ومطلقات والحقيقة أننا قد زودنا هوة الاختلاف الفكري بين الرجل والمرأة، وذلك لأننا غلبنا الهوى على الدين والعادات والتقاليد عن الشريعة.. فيكفي أن نمتثل جميعا لأوامر الله حتى تجد المرأة المسلمة في مصر تتقارب فكريًا ونفسيًا من الرجل المسلم بأمريكا مثلًا.. فجميعهم يستقي معلوماته وعاداته وتقاليده من منبع واحد.
ولكننا اختلفنا فصار الرجل الريفي لا يتفاهم مع بنت البندر والرجل القاطن لمنطقة شعبية لا يتفاهم مع بنت المنطقة الراقية، التي تقطن نفس مدينته وربما العائلة الفلانية من نفس البلدة عاداتها تختلف عن عائلة أخرى تسكن البيت المجاور لهم.. اختلفنا وتباعدنا وصار الرجل الواحد يتلون بتجاربه وبالبلاد التي رحل إليها فتنافرنا واختلفنا وصرنا فرادى من الصعب أن تجد لكل منا زوجة الأصلي الذي ينفعه ويشابهه فصرنا كالسائر الذي يلبس في إحدى قدميه حذاء أبيض وفي القدم الأخرى حذاء أسود.. ولا ينكر عليه أحد!!!!!.
فكيف ينكرون وقد أصبح الاختلاف الزوجي هو سمة العصر، وأصبحت الزيجات الفاشلة أكثر من أن نستطيع حصرها.. قد يرجع البعض العنوسة لارتفاع المهور وتكاليف الزواج.. أو يرجعها لضعف مستوى جمال المرأة أو مستواها الثقافي والاجتماعي.. وتلك نظرة سطحية غافلة فقليلة الجمال عند سن العشرين تتأخر في الزواج لأنها قليلة الجمال من وجهة نظرهم. ثم يصفعهم الخالق على ألسنتهم فتتزوج وهي قليلة الجمال وكبيرة السن أيضًا.. وهكذا المهور والتعامل المادي فقد يكون الرجل والمرأة أغنياء ومع ذلك يفضلن العنوسة.. فقط لأنهم فضلن التحرر من المخاوف المجتمعية وصرن يبحثن عن الشريك في هدوء ولا يلقون للمجتمع بالًا هؤلاء ليست العنوسة عندهم تأخر.. ولكنها تحرر..