وكأني "جربانة".. صرخة جامعية بدوية تطاردها لعنة التعليم
محيط هالة الدسوقي
تخطت منتصف الثلاثينات من عمرها ولم يعرض أحد عليها الزواج، لا تتحدث إليها الفتيات؛ لأن أمهاتهن يحذرهن منها، لا يعاملها ولا يصادقها أحد، حُكم عليها بالعنوسة والوحدة ليس لذنب أقترفته ولكن لأنها أصرت على نيل حقها في التعليم ودخولها الجامعة. ووصفت حالها المزري بال"جربانة" التي يتلاشي الناس محادثتها خوفا من العدوى.
واقع مرير تعيشه جامعيات بدو صحراء محافظتي مطروح والسلوم، كشفته دراسة لم تر النور بعد لد. كامل عبد المالك الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الذي أمد شبكة الإعلام العربية بأهم ملامحها في الموضوع التالي.
ويعد التعليم نقمة على البدوية المتعلمة وليس نعمة، فهناك فتاة وصل سنها 36 عاما، وهي الآن موظفة بإحدى الهيئات الحكومية وتعد من أجمل بنات البدو ولكن قاطعها العرسان تماما وانتهت حياتها عند هذا الحد، لا لشيء سوى أنها حصلت على التعليم العالي.
ولا تتلقى الجامعية البدوية العقاب من العرسان فقط بل من المجتمع البدو كله، فها هن النساء يحرضن البنات على عدم الاختلاط بها والابتعاد عنها، و عندما يتم دعوتها في أي فرح تقذف العروس باللوم من كل جانب بخصوص هذه الفعلة الشنعاء، من وجهة نظرهن، وأبلغ تعبير ما جاء على لسان ضحية مجتمعها، حيث وصفت حالها ل د. كامل عبد المالك بقولها "الجميع يبتعدون عني .. وكأني جربانة".
وتتميز الفتيات ذوات التعليم العالي من مجتمع البدو بالجمال الفائق والثقافة العالية وتفتح العقل وهو ما تفتقر إليه غالبية البدويات، وهن معدودات مرفوضات ومنبوذات مما أدي إلى إصابتهن عقد نفسية وكبت رهيب، لأنهن يحاولن بقدر المستطاع التعايش والتأقلم مع مجتمعهن حتى تتمنى الواحدة الزواج حتى لو من انسان جاهل، لكن تظل عانس إلى أن تلقى وجه كريم عادل.
وكرد فعل لرفض المجتمع لهن يستسلم بعضهن للأمر الواقع ويخضعن للمقاطعة ولا يحدث أحد وأخريات يختلطن بمن في الوادي أي من يعيشون خارج حدود النجع ويطلق عليهم البدو مسمى "المصريين" !
متعلمون ولكن
المرأة في عرف البدو كلها عورة وما يثير الدهشة ويحير العقل أن أول من يعزف عن الزواج من الجامعيات هم البدو المتعلمون أنفسهم، فمنهم الطبيب والمهندس الذي يبحث عند زواجه عن فتاة أقصى ما قد تكون حصلت عليه هي الإعدادية، وهو ما يثبت أن العادات والتقاليد غالبا ما تهزم التعليم وتطفئ نور العقل، فهم متعلمون ولكنهم متخلفون، حتى من حصلت على الدبلوم لا يتزوجها صاحب التعليم العالي.
والسر وراء رفض المتعلمة هو خروجها من حدود القبيلة إلى عالم المدينة واختلاطها على حد تعبيرهم ب "المصريين" في الوادي ! متناسين أنهم مصريين. ويعتبرون من تعاملت مع صنف الرجال هي من المغضوب عليهن، وسوء الظن هو السائد في شأن من تخرج من قبيلتها لتحصيل العلم، ولذا لا يقرب الرجل البدوي من فتاة يشك في سلوكياتها وفي اختلاطها بالرجال "المصريين" !!
عالم بلا أسماء
وأوضح د. كامل أن أقصى درجة للتعليم يمكن أن تحصل عليها هي الإعدادية وبعدها يتم تزويجها من خطيب لا تراه أبدا ويكون ابن عمومتها وهو أيضا قد لا يراها وتراها عنه أخته أوعمته أوخالته أو من وراء حجاب، وأغرب ما في الموضوع أنها لا تتعرف أيضا على اسمه وقد لا يعرف هو أسمها أيضا، فاسم المرأة لديهم عورة لا تعرفه الآذان، وإذا حدث وقدمت مشروبا أثناء زيارته لهم لا ترفع عينها عليه ولا تسلم عند الدخول ولا تتحدث أبدا.
وداخل هذه المجتمع المغلق لا تُعرف أسماء الفتيات أبدا وهو ما يعطل عمل الدولة أحيانا وخاصة عند القيام بالتعداد، حيث رفض أرباب الأسر تدوين أسماء البنات وأعمارهن، بل أنهم هددوا رجال التعداد بالقتل مما جعلهم يفروا مما قد يلاقوا من شر جزاء.
وعاء .. لا ينطق
وقال د. عبد المالك من خلال دراستي للمجتمعات البدوية استطيع القول بأن المرأة مازالت تعاني من نظرة دونية ومعاملة قاسية كأنها وعاء سواء في منزل أبيها أو في منزل زوجها، وينطبق عليهم في ذلك قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ" (البقرة170)، فهم يتبعون في تعاملهم مع المرأة مجموعة من العادات والتقاليد المتوارثة والتي يصرون على عدم تغييرها أبدا.
والمرأة في عرفهم كلها عورة وغالبا لا تنطق المرأة ولا تتحدث أبدا، وبالتالي لا يكون لسيدة أصابها الخرس رغما عنها أي رأي، وبالتالي يمكن استخدامها بسهولة كما يحدث في الانتخابات، وفي مشهد أقل ما يوصف بأنه الكوميدي تذهب المرأة التي تتشح بالسواد إلى مقر الانتخابات بصحبة زوجها أو أخيها أو أبيها وهي بالطبع لا تنطق وهو من يعبر عن رأيها ويختار من يريد.
وبطبيعة الحال لا تُرشح المرأة لأي منصب سياسي أو محلي في هذه المنطقة الصحراوية، ومن النوادر أن ثلاث سيدات تم ترشيحهن في المجلس المحلي أثنتان منهن لم ينطقن بكلمة واحدة في أي اجتماع أو لأي أحد، بينما الثالثة كانت تتحدث وتناقش وتعبر عن رأيها، وذلك لأنها من أب "مصري" أي ليس من قبائل بدو مطروح وأم بدوية.
من عادات البدو ذبح خروف أمام منزل القريبة وبالرغم من ذلك أثبتت التجربة الحية جدارة المرأة، حيث نجحت طبيبة بيطرية مثلت هذه المنطقة بمجلس الشعب لمدة قصيرة من تقديم العديد من الخدمات لأهلها، ودخولها المجلس جاء بالصدفة حيث توفى النائب الذي كانت قد ترشحت أمامه مسبقا، وأكملت هي التمثيل بالنيابة عنه في المجلس، وبالرغم من ذلك لم يتم الاعتراف بخدماتها وأخدوا يرددون كيف ونحن رجال تحكمنا "حرمة أو وليه".
احتكار الشمس
وأكد د. كامل عبد المالك أنه في المجتمع البدوي محل الدراسة لا يرى الشمس سوى الرجال حيث لا تخرج المرأة من منزلها أبدا، بينما تسمح بعض القبائل للفتاة برعي الأغنام حتى تصل سن الأربعة عشر عاما ثم تُحبس في المنزل لحين زواجها، وبداية من هذه السن لا ترتدي المرأة سوى اللون الأسود فقط.
كما تطارد المرأة لعنة السن فأقصى ما تصل إليه الفتاة من عمر دون زواج هو سن الرابعة عشر عاما، وبعدها تصبح وكأنها حمل تكل به الجبال من فرط ما يظهر الأهل من ضيق لعدم زواجها أو أنها قنبلة موقوتة توشك على الإنفجار في المنزل إذا لم يتم التخلص منها.
ولا يسمح بزواج البنت من خارج أبناء قبيلتها، ومن تفعل ذلك تكون عاصية وكأنها ارتكبت خطيئة الزنا، ولا يسمح لها بدخول القبيلة مرة أخرى لأنها خرجت منها مع شخص غريب.
ومن عادات البدو ذبح خروف أمام منزل القريبة عندما يتقدم البدوي لخطبتها، وخاصة عند تقدم غريب لخطبتها، ويقوم الأهل بعرضها على أبناء عمومتها جميعا ومن يذبح خروفا أمام منزلها أمام الناس فقد خطبها لنفسه ومن يفكر في الاقتران بها يلاقي نفس مصير الخروف.
ويذكر أن الفتاة لا تخضع لسلطة الأب فقط بل لسلطة الأخ الأكبر، الذي عادة ما يكون أشد قسوة عليها من الأب، ومن دائرة الأب والأخ الأكبر الشديد التحكم إلى دائرة الزوج الذي لا يعير لها أي اهتمام ويعتبرها مثلها مثل أي قطعة أثاث أو أي حيوان يقتنيه في منزله.
وضمن قائمة الممنوعات عن المرأة التليفاز، فهي لا تشاهده في حالة وجوده بالمنزل، بل تقتصر المشاهدة على الأب بصحبه أبنائه البنين دون البنات.
وبرغم مما تلقاه الفتاة من مصير مؤلم وحرمان من كل حقوقها حتى الميراث، إلا أنها تعتبر العائل الأول لعائلتها فيمكن القول بأنها مسئولة عن 60% من دخل الرجل وهي لا تنال من هذا الدخل أي شيء.
مجتمع ذكوري بحت
وفي المقابل للرجل الحق في أي شيء وكل شيء، فالبدوي يستطيع التزوج بأي عدد نساء يريده في حياته، فيتزوج ويطلق ليحافظ على عدد أربعة، وقد حدث أن تزوج أحدهم 34 إمرأة و هو ما لم يدع له المجال لمعرفة أولادة الذي فاق عددهم الثمانين.
وفي بداية زواجه إذا تأخر الإنجاب تصبح الزوجة هي السبب تلقائيا وبلا تفكير ويدفعها الزوج للبحث عن السبب بصحبة أمها التي تلجأ للعديد من الوصفات الشعبية ومنها على سبيل المثال الاستحمام على كفن طفل رضيع وغيرها من الخرافات، وحينما لا تجدي تلجأ للطبيبة. التعليم نقمة على البدوية المتعلمة وليس نعمة
وإذا ثبت أن الزوجة معافاة تماما، فلا يعترف الزوج بأن العيب منه بل يلجأ للزواج بأخرى وأخرى ولا يلجأ للطبيب إلا في حالة أن تتزوج إحدى مطلقاته من آخر وتنجب منه، فيضطر للجوء إلى الطبيب، وإذا ثبت أنه عقيم يطلق كل زوجاته فيما عدا الأولى، التي حُكم عليها بعدم الطلاق منه طيلة حياتها.
ونوه د. عبد المالك أن هذه المجتمعات رافضة للتغيير وتحتاج إلى خطط اقتحام طويلة المدى، حتى الحكومة لا تستطيع تغييرهم لأنهم رافضين للتغيير وقد يفتكوا بمن يحاول التدخل في عاداتهم وتقاليدهم.
وأوضح أن ليست كل المجتمعات البدوية تعاني بها المرأة، مثلا بدو سيناء تختلف طبيعتهم عن بدو الصحراء الغربية تماما، وكان للغزوات المستمرة لهذه المنطقة أثرها عليهم، حيث تغير تفكيرهم وأصبحوا أكثر مرونة في التعامل مع المرأة وأصبحت أكثر تحررا فهي تخرج للعمل وخاصة في مجال السياحة.