فى الليل وتحت «البطانية» تبدأ حكاية حب فريدة من نوعها، الفتاة التى طلبت عدم نشر اسمها لتجنب «مملكة الرجال» كان لديها ما تقوله: «تليفون البيت فضاح فبتكلم معاه بالموبيل وأنا تحت البطانية عشان الصوت ما يطلعش، هو شاب سيناوى زيى بس من قبيلة تانية وشغله كله فى شرم الشيخ وإحنا ساكنين هنا فى الطور.. بييجى كل أسبوع ويقف على أول الشارع، ويرنلى أطلع الشباك ويشوفنى بس، وممنوع الكلام وجها لوجه، هو مفروض عليه الوضع ده، لأنه لازم يتزوج بنت عمه، لكنه وعدنى أنه بعد ما يتزوجها، هييجى يخطبنى ونتجوز». لم تكن قصة الحب فى «الطور» شيئاً غريباً، فالمكان الذى يسكنه نحو 40 ألفاً ليس بعيداً أبداً عن «مشاكل الغرام» التى يجدها المصريون فى كل مكان. هذه المرة ليست المشكلة فى «الشقة والعفش» فقط، لكن هناك تلالاً من التقاليد يضعها الرجال وعلى الجميع وفى مقدمتهم المرأة الالتزام بها. فى مدينة الطور يعيش أكبر تجمع لقبائل جنوبسيناء، وهناك أيضاً ورغم النشاط السياحى تبدو المنطقة وكأنها مغلقة بأمر غير مكتوب خاصة فى وجه النساء. فالرجل هو المسيطر، فى البيت وفى الشارع وفى كل مكان، فهو يسيطر على الأم والأخت والزوجة والبنت وصولاً إلى ابنة عمه لأنها زوجته المستقبلية خاصة أن قاعدة «البنت لابن عمها» لاتزال ثابتة ولا يبدو أنها سوف تتغير. نفس العادات التى أعطت للرجل حق الزواج بشكل شبه مفتوح حرمت المرأة من الزواج بواحد من خارج قبيلتها، أما عن «الأغراب» أو «الوافدين» فهذا خط أحمر لا يمكن التنازل عنه قبلياً. تقول سماح التى رفضت نشر اسمها كاملاً: «ممنوع زواج البنت البدوية من الوافد، لا يمكن يحدث هذا، فمازالت عاداتنا وتقاليدنا تحرم زواج البدويات من الأغراب، لكن هناك احتمالات لزواج بين شاب وفتاة من قبيلتين مختلفتين، لكن حتى هذا يتم فى إطار محدد وبعض القبائل لاتزال ترفض تزويج بناتها إلا من أبناء القبيلة نفسها، والأساس فى كل الأحوال أن البنت لابن عمه»، تضيف سما: «طبعاً ممكن ابن عمها يكون عايز بنت تانية ممكن يتزوجها لكن قبل كده لازم يتزوج بنت عمه عشان التقاليد بتقول كده». منى كمال، إحدى سكان مدينة الطور، طرحت مشكلة أخرى تواجه نساء سيناء: «الفتاة فى الطور تطمع للحصول على (الدبلوم) فهو غاية أو نهاية التعليم عند معظم البدويات، لأن بعض القبائل الكبيرة تخرج البنت من التعليم بعد المرحلة الابتدائية وهناك من لا يسمح أصلا بدخولها المدرسة، وفى مدينة كبيرة كالطور تعداد سكانها يفوق 40 ألف نسمة، توجد مدرستان للتعليم الابتدائى والإعدادى، ومدرسة ثانوية واحدة للبنات، كما تشارك بعض البدويات بالإسهام فى محو الأمية لكن على نطاق ضيق». تضيف منى: «مشكلة التعليم غير ذات أهمية لدى الفتيات، فلا شغف لديهن للتعلم لأنهن يعلمن استحالة استكمال مراحل التعليم الجامعى، فليست هناك كلية سوى كلية الحقوق بنظام التعليم المفتوح ومصاريفها مرتفعة، ولا تسمح العائلة بسفر البنت السيناوية للالتحاق بجامعة قناة السويس مثلاً التى تعتبر أقرب جامعة للطور رغم أنها تبعد نحو 400 كيلو متر عن مدينتنا». فاطمة فتاة سيناوية حاولت التقدم لكلية الحقوق واستكمال تعليمها عبر التعليم المفتوح لكن جهودها اصطدمت بمشاكل العادات: «دخلت فى كلية حقوق تعليم مفتوح، وبسبب مصاريفها الغالية والتى تبلغ 1060 جنيهاً فى الفصل الدراسى اضطررت لترك الكلية، وأهلى فضلوا إنفاق هذه الأموال على تجهيز أشقائى الذكور، فبدأت أعمل على محو الأمية، فبهذا أخدم مجتمعى وأحصل بالمقابل على ما يساعدنى لإكمال الدراسة» فوجئت فاطمة أن كل ما تتقاضاه فى الشهر من دروس محو الأمية كان 60 جنيهاً وقد يتأخر الراتب لعدة أشهر، فبدأت تفكر فى صناعة بعض المشغولات اليدوية وبيعها فى شرم الشيخ للحصول على «فلوس التعليم». وبعيداً عن التعليم، فلا يشكل الزواج أى عبء مادى على الفتاة السيناوية أو أسرتها، حيث يقوم العريس بتجهيز بيته وعروسه بالكامل، فعليه كل مصاريف العرس والمنزل، ولا تقوم العروس بشراء أى شىء من مستلزماتها من أصغرها لأكبرها. وربما لم تكن الصورة وردية هكذا، فمع ارتفاع أسعار الذهب ومغالاة بعض القبائل فى مهور البنات بدأت ظاهرة العنوسة تنتشر بشدة فى جنوبسيناء. تقول سامية إحدى بنات مدينة الطور: «العنوسة عندنا مشكلة كبيرة جداً، البنت ممكن توصل ل26 و30 سنة ولسة مش متزوجة، ده بسبب البطالة الشديدة المنتشرة، مافيش حاجة يشتغلوا فيها غير السياحة فى الشرم، مفيش وظائف ومفيش زراعة ولا حتى مصنع واحد يشغلهم، غير أن أراضى المطلقات والأرامل سهل جداً الاعتداء على ملكيتها أو ضمها لملكية الغير، حتى المعونات اللى بتيجى من برة عشان البدو، محدش بيعرف هى بتروح فين، مش بناخد منها غير ملاليم الله أعلم هم جايلهم كام ده طبعاً غير المغالاة فى طلبات أهل العروس».