بين ليلة وضحاها, انتفض الشعب في قيرغيزستان وأسقط حكومته وفرَّ الرئيس, وخلفت أعمال الشغب التي اندلعت في العاصمة بيشكيك دمارًا هائلًا، وسادت الفوضى في هذه الدولة الفقيرة, حيث البطالة والتضخم الاقتصادي، ناهيك عن الفساد المستشري في جميع مؤسسات البلاد, وهو ما ألقى بظلاله على المشهد السياسي. وتقع قيرغيزستان في وسط قارة آسيا، وتحدها كازاخستان من الشمال والصين وطاجكستان من الجنوب كما تحدها أوزبكستان من الغرب، وتبلغ مساحتها 198.5 ألف كم2، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 5.5 مليون نسمة، ويشكل المسلمون نسبة 75% من إجمالي عدد سكانها. وقد ارتفعت حصيلة المواجهات التي اندلعت يوم الأربعاء الماضي (7 إبريل) إلى أكثر من سبعين قتيلًا وألف جريح, وكان الائتلاف المعارض "الحركة الشعبية الموحدة" قد دعا إلى هذه التظاهرات في كافة أنحاء البلاد إثر تفشي الفساد والمحسوبية والبطالة في البلاد, وقد سيطرت المعارضة على القصر الرئاسي ومبنى الإذاعة والتلفزيون والبرلمان وتولت "روزا أوتونبايفا" وزيرة الخارجية السابقة, وزعيمة المعارضة, مهام رئاسة الحكومة المؤقتة وإعلان إجراء انتخابات في غضون ستة أشهر. وقد شبهت جريدة "ذي اندبندنت البريطانية" ما حدث بثورة اليأس, حيث قالت: إن من يعتلون السلطة عن طريق الثورة يمكن أن تطيح بهم ثورة شعبية مماثلة, فقد أطاح "باكييف" بحكومة قيرغيزستان قبل خمس سنوات، فيما يعرف ب"ثورة الزنبق", أما الآن فقد أطاحت تلك الثورة الشعبية ب "باكييف" نفسه متهمة إياه بالتورط في العديد من الجرائم كالتي ارتكبها سلفه المخلوع من الفساد والمحسوبية والاستبداد والعمل على توريث السلطة لعائلته. ثورة الزنبق التي أشاد بها العالم الخارجي اعتقادًا منه بأنها ستمنح البلد الاستقرار والديمقراطية, لم تُحدِث ذلك في الواقع. وقد طالبت "ذي اندبندنت" الدول الكبرى بعدم التدخل في شئون البلاد للتأثير على مجريات الأحداث, وأشارت إلى أن القاعدة الأولى في مثل هذه الظروف هي إبعاد الأجانب أنفسهم عن التدخل, مؤكدة أن ردود الأفعال الأولى من جانب موسكووواشنطن بقبولهما الضمني لتغيير السلطة جاءت مطمئنة. وهذا ما أكدته جريدة " ذا جارديان" البريطانية التي أرجعت اندلاع الفوضى في قيرغيزستان إلى تواطؤ أمريكا مع الفساد وتشجيع روسيا, مشيرة إلى أن أمريكا وروسيا لم يلعبا دور المتفرج البريء في هذه العملية. فيما تساءلت مجلة "تايم" الأمريكية: هل حطمت موسكو حليف الولاياتالمتحدة؟.. حيث اتهم بعض أعضاء الحكومة المخلوعة موسكو بتورطها في هذه الاضطرابات العنيفة التي اجتاحت البلاد, لكن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين نفى أي تورط لبلاده في الاضطرابات بعد اتهامه بإعطاء الضوء الأخضر للثورة. وبرغم النفي السابق، فإن الكثير من الدلالات تُشِير إلى وقوف موسكو وراء هذه التظاهرات والاحتجاجات, مثلما حدث في عام 2005 بالانقلاب على أكاييف بمساعدة الولاياتالمتحدة بعدما سمح للأمريكان بإقامة قواعد عسكرية، ثم تقرب من موسكو وسمح لهم بإقامة قواعد عسكرية، وهذا ما أثار غضب واشنطن بشدة وسرعان ما دعمت المعارضة ضد نظام حكمه. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه؛ فهذا ما حدث مع "كرمان بك باكييف"، حيث إنه وصل إلى سدة الحكم بأيدٍ أمريكية، وأخذ يلعب بالورقة الرابحة وهي قاعدة "ماناس" الأمريكية، حيث أعلن إغلاق القاعدة بعد حصوله على 2.15 بليون دولارا من روسيا, القرار الذي تراجع فيه بعد مسارعة الإدارة الأمريكية للتودد إليه، وهذا ما أثار حفيظة موسكو ودفعها لدعم المعارضة للقيام بالمظاهرات والاحتجاجات. وخلافًا ل"باكييف" وسلفه, استطاعت "روزا أوتونباييفا", وزيرة الخارجية السابقة, وزعيمة المعارضة حسب ما قالته عنها صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" أنها ستحظى بقبول كل من روسيا والدول الغربية على حد سواء, حيث إنها شغلت من قبل منصب سفيرة بلادها لدى كل من بريطانيا والولاياتالمتحدة، وقامت بعقد أول محادثات رسمية مع نظيرها الروسي فلاديمير بوتين بوصفها رئيسة الحكومة المؤقتة في بلادها، ويبدو أن بوتين منحها تأييد بلاده. أما الدعم الأمريكي فسوف تحوزه بعد إعلانها أن حكومتها تسيطر على البلاد، وأن القاعدة الجوية الأمريكية قرب العاصمة بشكيك والتي تستخدمها الولاياتالمتحدة في الدعم اللوجستي للحرب على أفغانستان، ستبقى على ما هي عليه. ومما لا شك فيه, أن الحقيقة التي لا جدال فيها أن قيرغيزستان, التي ترقد على مناجم هائلة من الذهب صارت مطمعًا للروس والصينيين وهدفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة, وأن دول آسيا الوسطي الغنية بالنفط والغاز ستظل تدور في فلك التنافس الروسي الأمريكي, حسب ما أشارت إليه "ذي اندبندنت" البريطانية بعد طرحها تساؤلًا، مفاده: أي دول "ستان" سيكون عليها الدور في الانفجار؟! المصدر: الإسلام اليوم