كنت في ألمانيا لاستكمال دورة تدريبية تخص "التعليم الإلكتروني" لفترة، وقلت في نفسي إنها أول مرة أزور دولة أوروبية، ولا شك أنني سأشاهد كل ما هو جديد، وأنني سأرى ما لم تره عيناي من قبل. إنها خواطر نفس دارت في ذهن إنسان ريفي النشأة قاهري التعليم والمعيشة والعمل. وكان في علمي أيضا قبل سفري أن الألمان أناس عمليون لا وقت لديهم لتضييعه، وكل شيء لديهم بنظام وحساب حيث لا مجال للمصادفة أو العشوائية. لذلك لم أفاجأ كثيرا بما رأيت وشاهدت لأني كنت قد اطلعت على ما يشبهه من خلال المعلومات التي استقيتها من الأصدقاء الذين سافروا أو من خلال شبكة المعلومات الدولية. لكن ما زاد من مرارتي وضاعف من حسرتي أننا في بلادنا لا تنقصنا الإمكانات ولا الكفاءات ولكن تنقصنا القيم والإرادات، إذا توافرت انصلحت كل أمورنا. ولأنني دارس للأدب وكاتب للسيناريو ومولع بأساليب المقابلة والتضاد والمفارقة فقد كنت عندما أشاهد شيئا معجبا هناك يتبادر إلى ذهني نقيضه هنا؛ مما يعمق في نفسي آثار الحزن والهم. ومن المشاهد التي لفتت انتباهي: مشهد أول: خارجي/ نهار. عنوان المشهد: عبور الطريق أردنا أن نعبر الطريق، فكان علينا أن نسير بضعة أمتار حيث المكان المخصص لعبور المشاة فإذا كانت الإشارة تدل على منع العبور نظل واقفين – على الرغم من عدم وجود سيارات – حتى تسمح لنا الإشارة بذلك، وإذا كانت الإشارة خضراء تظل السيارات واقفة ولا تجرؤ على كسر الإشارة على الرغم من عدم وجود مشاة أصلا ليعبروا. وعندها تذكرت إشاراتنا في مصر المحروسة، إنها تشبه هذه الإشارات من ناحية الشكل والألوان، وربما كانت أحدث منها؛ لأننا مولعون باستيراد كل ما هو حديث من التكنولوجيا اليابانية والصينية والأمريكية والهندية وإلى آخر مقطع "ية"، تذكرت أنني كنت سأموت يوما ما لأن المرور مختل في أكثره حيث لا تعلم من أي جهة سيأتيك الموت، أمن اليمين أم الشمال؟ أمن الوراء أم الخلف؟ أم من كل الاتجاهات! تذكرت المعاناة القاسية التي أعانيها عندما أعبر الطرق في شوارع القاهرة. إننا لا تنقصنا إشارات المرور ولا العساكر، ولكن ينقصنا فقط أن نحترم الإنسان. مشهد ثان: داخلي/ نهار. عنوان المشهد: في سوق التقنيات ذهبنا إلى سوق للتقنيات يعد من أكبر أسواق أوروبا فوجدنا أن أجهزة الهاتف الجوال العتيقة – كبيرة الحجم رخيصة القيمة – لها حضور واضح، وكذلك وجدت من يستعملون الهاتف النقال من الألمان قليلين نسبيا إذا قسناهم بنا، وحتى من يمتلك منهم واحدا لا يستعمله بإسراف وتبذير وسفه كما نرى لدينا في مجتمعنا، لم أر واحدا يمسك بالهاتف في يد ويقود سيارته باليد الأخرى، على الرغم من أنهم يقدسون الوقت والعمل أكثر منا بمراحل، عفوا لا مجال للمقارنة بيننا وبينهم أصلا. أدركت ساعتها أننا نستحق قطع ألسنتنا حتى لا نتحدث كثيرا فالسكوت من ذهب، ورب صمت أبلغ من كلام، وإن من الصمت لحكمة وإن من الكلام لنقمة. شهوة الكلام لدينا انضمت إلى باقي الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة. مشهد ثالث: خارجي/ نهار. عنوان المشهد: في مطار فرانكفورت انتهت الرحلة وقررنا العودة إلى بلدنا الحبيب مصر، وركبنا الحافلة إلى حيث مطار فرانكفورت، وحدث أمر أزعجنا وأحسسنا أنه سيعطل رحلتنا، كان هناك إعلان عن قنبلة موجودة بالمطار، لكن الأمور والإجراءات كانت تسير على ما يرام، ولم نشعر للحظة أن هناك ما يعوق سفر أي من المسافرين. اعتقدنا أن الألمان يمتلكون أعصابا من حديد لكنّ إحدى الزميلات اللائي كن معنا – وكانت تتقن الألمانية – أخبرتنا أنهم ربما أعلنوا عن هذا الأمر على سبيل التدريب أو أخذ الاحتياطات اللازمة لأي عارض. وهذا المشهد على الرغم مما كان متوقعا فيه من اضطراب إجراءات أو تعطيل يقابل تماما ما يحدث لدينا من إجراءات معوقة على الرغم ما تشتهر به بلدنا من أمن وأمان. والمشاهد أكثر من ذلك والحديث عنها يطول، لكن الانطباع الذي خرجت به من كل ذلك أنه يمكننا أن نتفوق ونتقدم ونتطور بشكل مذهل، لكن إذا حققنا بعض القيم الأساسية. والمسئولية في ذلك ملقاة على الحكام والشعوب، فعلى مستوانا نحن الشعوب نحتاج أن نتخلق بأخلاق الأمانة، والإخلاص، واحترام النظام، وحب العمل، والاقتصاد في العيش والإنفاق. وعلى مستوى الحكومات فلابد من احترام حرية الإنسان حتى يبدع، ولابد من الشفافية والمساءلة والإرادة الحرة والإخلاص للوطن وأبنائه والعمل على مصلحتهم. وكل ذلك يحتاج الإرادة الحقيقية للتغيير والتطوير والتحرر، وأن ينزل الحاكمون من عروش الآلهة ليصبحوا مواطنين مثل باقي أفراد الشعب لهم ما له وعليهم ما عليه. على الهامش قصصت على أستاذ وصديق عزيز ما رأيته في رحلتي – وهو من المغرمين بالسفر وأحسبه سافر عشرات الدول في قارات العالم أجمع – فحكى لي رواية عن أحد أصحابه أنه قال: من المفترض أن تنظم الدول المتخلفة رحلات لمواطنيها إلى الدول الأوربية حتى يتعلموا شيئا يؤثر في نهوضهم وتطورهم وتعملهم. لكنني نسيت أن أقول له: إن حكامنا ووزراءنا ومسئولينا سافروا ويسافرون إلى دول العالم أجمع وخاصة أوروبا وأمريكا فلماذا لم يتعلموا من حكام تلك الدول احترام الشعوب وحرية الإرادة والتفاني والطهارة. شاعر مصري [email protected]