بعد صعود الحركات الإسلامية (المصنفة غربيًا بالمعتدلة) إلى سدة الحكم في مصر وتونس والمغرب، اكتشفت هذه الحركات أنها لا تملك أي رؤية شرعية لرعاية شؤون الأمة في أي من مجالات الحياة، سواء تعلق هذا بالسياسة الداخلية أو الخارجية، أو تعلق هذا بالنظام الاقتصادي أو الاجتماعي أو سياسة التعليم، وبدل أن يتحلوا بالصدق، ويصارحوا أنفسهم بالحقيقة، فيتخذوا الإجراء الصحيح تجاه ذلك، نجدهم يُعلقون فشلهم على الأمة ويدَّعُون أن الأمة غير جاهزة لتطبيق الإسلام! فهل الأمة عند هؤلاء مهيئة لحكم الكفر وغير مهيأة لحكم الإسلام؟ " كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا". ألا يعلم هؤلاء أن عمرو بن العاص طبق الإسلام على أهل مصر منذ اليوم الأول لفتحها مع أن أهلها غير مسلمين؟ فما بالُهم ونحن اليوم مسلمون؟! كيف لهم أن يتجرءوا على أمةٍ قال فيها ربها " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِ0لْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ 0لْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِ0للَّهِ"؟ أمة ينظر إليها أعداؤها نظرةَ غيرةٍ وحسد، مما بها من صفات. فلو نطق لسان أوباما ومن قبله بوش، أو لسان ساركوزى وكاميرون ومن قبله بلير، أو نطقت ميركل ومن قبلها شرودر، ولو نطقت ألسنة ساسة الغرب كلهم لقالوا "لو أن لنا أمةً مثل أمة محمد، لدانت لنا الدنيا"!! نعم قالوها بعدما رأوا صلابة هذه الأمة ومابها من رجال أمام هجماتهم الصليبية المتوحشة، سواء في أفغانستان أو العراق أو الشيشان أو مالي أو فلسطين، أو في الشام. فوالله الذى لاإله إلا هو، لو وقع ماوقع بأمة الإسلام على أي أمة أخرى، ما بقيت على ظهر الأرض، أما أمة الحبيب فقد تعرضت لما تعرضت له من أعدائها، من هدم لدولتها، وتآمر حكامها مع أسيادهم الصليبين الحاقدين، فشنوا على الأمة الحروب العسكرية المدمرة التي دمرت وأهلكت الحرث والنسل، والإرهاب الأمني، وفي كل مرة تخرج الأمة قوية معتزة بدينها، قوية الصلة بربها لاتركع لعدوها، بل تجدد العهد مع الله أنها سائرة على العهد ولن تركع إلا لله. فما قام به مجرمو الاتحاد السوفييتي تجاه أبناء الأمة في وسط آسيا، كان يكفي لقطع كل صلة لهم بالإسلام، وظن الملاحدة أنهم قد حققوا ما سعوا إليه، إلا أن ما شاهدوه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي من عودة مسلمي وسط آسيا إلى دينهم عودة قوية، أصبحت تقض مضاجع بوتين وكريموف وغيرهم فلاينامون ليلهم. وما حدث في فلسطين من تآمر الأنظمة العربية وإجرام يهود على أهلنا في فلسطين لم يفت في عضدهم، وما حدث فى أفغانستان والشيشان وبورما وفي كل مكان، لا تكفى الكتب فى وصف بطولات أبناء الأمة، أما الشام فما أدراك ما الشام، سيوف الله المسلولة تتصدى لمؤامرة كونية ما قامت إلا حقدًا وكرهًا للإسلام ومخافة عودته ليسود من جديد. وما يقدمه ثوار الشام ومعهم إخوانهم المجاهدين من كل مكان ليُذكرنا بصحابة رسول الله. فكيف للضعفاء والمرجفين الادعاء أن هذه الأمة غير جاهزة لتُحكم بالإسلام؟ إن الذى دفع هؤلاء لتعليق خيبتهم على الأمة يعود إلى سببين هامين: الأول: أن هذه الجماعات لم تنشأ على أساس مبدئي تفهم الإسلام كنظام حياة وبالتالي تستنبط منه كل مايلزمها لتُسيًّر به شؤون الدولة وتجعلها قادرة على إدارة الصراع في سياقه الطبيعي. الثاني: إصرار هذه الحركات على العمل من خلال النظام الدولي ومؤسساته، وسعيها لتنال رضاه، جعلها في حالة تناقض مع نفسها فالنظام الدولي لا يتعامل مع أحد يجعل رضى الله هدفه والتمكين لشرع الله طريقته. لذلك من رضى أن يكون جزءًا من النظام الدولي الجائر لا يمكن أن يطبق الإسلام ويحكم به، لأن هذا يتناقض مع وجوده ضمن هذا النظام. إننا نذكر أصحاب هذا المشروع، أن الواجب الشرعي عليهم أن يتعلموا ماجهلوه ويفهموا سيرة الحبيب المصطفى فهمًا تشريعيًا، ولو فعلوا ذلك ماقبلوا أن يكونوا هم المحلل للأنظمة العميلة التي قامت الأمة من أجل إسقاطها. فوالله إن السجن في طاعة الله خير لهم من معصيته وهم في سدة الحكم. " قَالَ رَبِّ 0لسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِىٓ إِلَيْهِ" يوسف 33