منذ فترة كتبت هنا في نفس هذه المساحة مقالاً أحلل فيه السياسة الخارجية للسيد رئيس الجمهورية، وقلت وقتها إن الرئيس أخطأ عندما تعجل الخطوة الأمريكية في سوريا، ثم أخطأ مرة ثانية عندما استبطأ هذه الخطوة وقفز في أحضان المحور الإيراني. لا شك الآن وقد تضافرت أحداث يوم 13 يونيه لتشكل عقدًَا فريدًا في الصراع السوري الأسدي، أن هذا التحليل قد وافق الحق في معظمه، وأن الرأي الذي ارتأيناه أن هناك عملاً عسكريًا "وشيكًا" في سوريا، وأن هذا العمل أمر حتمي أصبح من المقررات المفروغ منها الآن، بحيث لا يستطيع إنسان أن يجادل في حتمية حدوث الحرب، ولكن الجدل المنطقي المقبول أصبح في شكل الحرب فقط. والحقيقة أن هناك مجموعة من الوقائع الغريبة جدًا التي "تصادف" حدوثها في هذه الفترة، ففي نفس يوم إعلان مؤتمر علماء المسلمين النفير العام ووجوب الجهاد في سوريا الحبيبة "سلام الله على أهلها"، تفاجأ بأن أول من لبى داعي الجهاد هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما!! حيث أعلن مكتب وزير الخارجية عصرًا عن "تطورات بشأن الأوضاع في سوريا"، ثم أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية مساء أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أعطى أوامره بتسليح المعارضة السورية. لابد هنا أن تحترم قوانين الصدفة العجيبة، تخيل أنه "بالصدفة" يتقرر عقد اجتماع للعلماء المسلمين في القاهرة حول نصرة سوريا، ثم "بالصدفة" يقرر الرئيس مرسي "صديق إيران" الذي يقدر ويثمن الدور الروسي، والذي يتوافق مع الموقف الصيني!! حضور هذا المؤتمر دعمًا لسوريا!! ثم "بالصدفة" يقرر المؤتمرون بتمثيل سعودي مصري عالمي إعلان "وجوب" الجهاد في سوريا بالنفس والمال، ثم "بالصدفة" يقوم الرئيس الأمريكي في مساء اليوم بالإعلان عن مساعدات أمريكية حسب وسائل إعلام أمريكية ستشمل (أسلحة أمريكية)، ثم يتصادف أن هذا يحدث قبل انعقاد قمة مؤتمر الثماني ليذهب أوباما للمؤتمر المزمع عقده بالخبر، من باب "أنا هنا فقط لأطلعكم على الأمر لا أكثر"، ثم يتصادف أن هذا يحدث قبل انعقاد مؤتمر جنيف الذي كان من المفترض أن نظام الأسد سيحضره، ثم يتصادف حدوث كل هذا "بالصدفة البحتة" بعد أن أغرت أمريكا حزب الله بتباطئها في التدخل بالتورط في سوريا، ثم يتصادف أيضًا أن هذا القرار العسكري الأمريكي يأتي بعد تدهور أحوال الجيش الحر الذي لقى هزيمة مؤسفة في معركة القصير استولى إثرها الروافض على المدينة بعد مذابح بشعة، ثم الأنكى من هذا كله، أن كل هذا حدث "بالصدفة" بعد أقل من أسبوع على فضيحة التصنت التي سربها عنصر المخابرات الأمريكية إدوارد سنوداون التي خرج أوباما في فضيحة أكبر ليبرر لها! وبعد أقل من يوم على استقالة نائب مدير الوكالة. والذي أظنه أن الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد فضيحة سنوداون كانت بحاجة إلى تصرف عاجل ليقلل من وقع الصدمة الذي أحدثته الكارثة الأمنية على جدار الثقة داخل المجتمع الأمريكي، وأعتقد هنا أن قرارًا قد تم اتخاذه "بتسريع" الجدول السوري قليلاً، فتم تحريك الكثير من القطع والعناصر الإعلامية والمخابراتية، سواء العميلة أو المتعاونة مع المخابرات الأمريكية بهدف عمل حالة تمهيد داخلي في الوطن العربي للحدث المهم القادم، ليلي ذلك نقل الإدارة الأمريكية أدلة عن استخدام لغاز السارين ومقتل 150 مدنيًا "طبقًا للأمريكيين"، الذين من فرط طيبة قلوبهم لم يرضهم الوضع وغير هذا الكلام، وأقتبس حرفيًا "المعادلة أمام الرئيس" باراك أوباما، يا ولداه، فقرر تغيير تكتيكه العسكري ومسح تصريحات سابقة لرئيس الوزراء البريطاني ورئيس الوزراء الفرنسي والمستشارة الألمانية بعدم وجود نية لتسليح المعارضة السورية في الوقت الحالي، والطريف أن بعض هذه التصريحات صدر منذ أيام قليلة، مما يضع الإدارة الأمريكية في حرج بالغ جدًا مع الأصدقاء في أوروبا. والذي أظنه أن غضبًا كان يغلي كالمرجل في قلوب السادة العلماء، وأن ضغوطًا حكومية كانت تكبل فتاوى بعضهم، بينما أطلق البعض منهم فتاواه بلا مواربة، ولا يشترط هنا أن تكون تلك الضغوط بالأمر المباشر، ولكن قد تكون بالمواربة والمواءمة والظروف على طريقة ما فعلته جماعة الإخوان بمشايخ التيار السلفي القاهري في مصر، والذي أظنه أنه تم إعطاء ضوء أخضر بزوال هذه الضغوط، بحيث تكلم العلماء بما كانوا يعتقدونه من فترة طويلة. السؤال الذي يجب أن تسأله هنا.. ما موقف جبهة النصرة القاعدية الهوى والولاء من الاتفاق المخابراتي هذا؟ فالحقيقة التي لا تقبل الكلام أن اتفاقا قد عقد بين الجيش الحر والمخابرات الأمريكية قبل صدور هذا القرار، لذا وجب علينا أن نسأل ما هو وضع مقاتلي القاعدة داخل الأراضي السورية من هذا الاتفاق العاطفي الأخير؟ الحقيقة أن هناك اتجاهين لرؤية هذا الموضوع، فإما أن تكون قيادة الجيش الحر قد تعهدت بتفكيك مليشيا جبهة النصرة بشرط ضمان خروج آمن لتلك العناصر، وهذا الاتفاق في حالة حدوثه، فلن تفي به المخابرات الأمريكية بالطبع. الاتجاه الثاني أن تكون المخابرات الأمريكية قد وضعت بنفسها خطة تفكيكية، بحيث تستغل الجبهة كنوع من المتاريس للمعارك القوية أمام الجيش السوري حتى تستنزف قواها تمامًا، وهو ما رأينا كونه وشيكًا مما حدث في حادثة القصير المؤسفة، والحقيقة أن هذا الجواب يثير سؤالاً آخر، وهو ما موقف الجهاد الإسلامي بالأراضي السورية من تلقي أسلحة "العدو" الأمريكي؟ وهل سيخرج علينا د.أيمن الظواهري ليتكلم في هذه الأثناء عن مدى "وحاشة" أمريكا؟ لقد خرج توقيت القرار الأمريكي بطريقة تستحق التأمل، وأنا كرجل ذى روح رياضية "أحب اللعبة الحلوة" دائمًا حتى لو من الخصوم، فقد أحرجت الإدارة الأمريكية تيار الجهاد بشكل مؤسف، فلو تلقى سلاح أمريكا، فبأي عين يتكلم عن الهيمنة والشيطان الأكبر وهذا الهراء؟ ولو رفض السلاح الأمريكي فماذا يريد إذًا؟ ألم يطلب دعمًا؟ إليك الدعم وهو ما يضعه في موقف المؤيد لموقف بشار بأن هذه ليست مقاومة وإنما مليشيا "إرهابية". أضف إلى هذا إحراج الهيئات الإسلامية التي أطلقت هذا الإعلان، وكان ينبغي عليها أن تعلنه من قبل بدون أضواء خضراء أو حمراء، ثم إحراج الحكومات العربية التي ستظهر، وعلى رأسها حكومتنا الغراء وكأنها تتلقى الأوامر، "وهي الحقيقة" من أصغر موظفي الإدارة الأمريكية، ناهيك عن هدف عسكري مهم، وهو اختبار الآلة العسكرية لحزب الله ومن وراء ذلك إيران في لبنان وإرهاقها تمهيدًا لتسوية الوضع في لبنان بشكل مختلف فلم يعد الانسحاب ممكنًا الآن أمام مليشيا حزب الله. ولا شك هنا أن هذا القرار وهذا الحشد الإسلامي سوف يتبعه جنون من قبل النظام يقابل بمقاومة المعارضة المسلحة بالأسلحة الأمريكية الحديثة، مما يعني أن كل ما فات من مجازر كوم، والقادم كوم آخر.