مصر أكبر من الانفلات السياسي والأمني الذي تقوده الثورة المضادة ويموله أعداء الإسلام.. ولكنها من الصعب أن تتحمل هذا المستوى الرهيب من التآمر الداخلي والخارجي. لقد اتفقت مصالح كل أعداء الإسلام على منع بروز النموذج الإسلامي (بأي ثمن) لأنه إن نجح كمشروع سياسي حضاري فإن لهذا النجاح ما بعده.. إذ يؤدي إلى انتشاره على حساب النموذج الغربي الآخذ في الأفول، وبالتالي انتشار الإسلام. ومشكلة المتغربين من أبناء جلدتنا أنهم لا يجرؤون على الجهر بمعاداة الإسلام في مجتمع متدين؛ وبالتالي فلابد من اللف والدوران والكذب والنفاق.. وقد وجدوا ضالتهم ببروز المشكلات الموروثة من الأنظمة التي كانوا يدعمونها أو ينافقونها، مع تضخم الدولة العميقة وتحالف الفلول وأعداء الثورة معها. وهؤلاء (الخونة) يسعون إلى ضرب الاستقرار وتضخيم المشكلات وصنع الأزمات، ولا مانع عندهم من تركيع مصر أو تدميرها؛ حتى لا يُنسب أي نجاح للإسلاميين أو المشروع الإسلامي. هؤلاء هم أعداء مصر وثورتها.. وهم يستغلون الحرية التي جاءت بها الثورة أسوأ استغلال، ويستثمرون الإعلام الكذوب الموروث في تضليل البسطاء وخداعهم، ودفع الشباب المغرر بهم إلى تخريب الوطن ومنع ظهور أية بادرة أمل لنهضة مصر، وبالتالي الكفر بالثورة ولعنها. إن الأمل الحقيقي في استكمال أهداف الثورة معلق في رقبة شبابها الطاهر الذين صاروا هدفًا لحملة التضليل، وانخدع الكثيرون منهم للأسف.. ونجح أعداء الثورة في إعادة توجيه طاقاتهم إلى الاتجاه الخاطئ لضرب الثورة بدلًا من دعمها. يا شباب الثورة؛ عودوا إلى مصر التي أسهمتم بتحريرها وإعادتها إلينا بعد طول غياب. لقد سدد شباب مصر فاتورة الحرية ومهرها الغالي من دمائه، فصدق فيه قول الحق تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)- محمد 7؛ وأشرقت شمس الحرية على أرض الكنانة. لقد برهن التاريخ على أن حصاد الثورات الشعبية الناجحة لا يقتصر على الجانب السياسي ومجرد تغيير الطاغية.. ولكنها تكون ثورة شاملة تشمل كل جوانب الحياة. فالثورة تثير في الإنسان كل جوانب الخير وتوقظ الضمائر وتدفع اليأس وتغذي الشعور بالانتماء. وأهم ما في الثورات العظيمة أنها تنجب شعبًا مختلفًا عن ذلك الذي كان قبل الثورة، فهي ثورة في جميع المجالات والميادين.. لذا فالدول والأنظمة التي جاءت بها ثورة شعبية تنجح في إدارة عمليات واسعة وسريعة للتنمية والتقدم، لأن النظام الناجح هو الذي يمثل شعبًا يحبه وبالتالي يطيعه، فنجد أن الشعب كله مع حكومته على قلب رجل واحد. وليس هناك أفضل من الثورات وما تحدثه من شحن معنوي لتحقيق هذا التناغم بين الشعب وقادته، الذين جاءوا بالانتخابات الحرة. إن الشعب المصري الثائر كان في قمة الحماس والوعي والنضج، وكانت لحظة مناسبة لاستثمار حالة النقاء والصدق الثوري لتجنيد كل الطاقات الشعبية لتغيير حياتنا إلى الأفضل والتخلص من كل رواسب الطغيان، لولا الفترة الانتقالية البغيضة التي مكنت الفلول من بدء الثورة المضادة. يا شباب الثورة؛ لقد حان الوقت للتصالح مع مصر بالعودة إلى حضنها والخوف عليها والبدء في إصلاح كل ما أفسده الطغيان. وحان الوقت للتخلق بأخلاق الثوار: لنتصافح جميعًا ونتسامح ويحب بعضنا بعضًا.. لنرمي وراء ظهورنا حالات اليأس من الإصلاح التي أدت إلى إضراب حقيقي عن العمل. كان الكثيرون يعتقدون أن العمل المخلص وزيادة الإنتاج لا يعود بالنفع عليهم ولا على الوطن ولكن يعود على اللصوص، وكان كل من يستطيع التهرب من الضرائب يقنع نفسه بأنه يفعل الخير لأن أغلب الميزانية كان يخصص لأجهزة الأمن التي تؤذي الشعب وأجهزة الإعلام التي تخدعه. الآن وبعد انتصار الثورة؛ فقد حان الوقت لتغيير هذا الوضع، هيا نعمل معًا بصدق وإخلاص لنعوّض عقودًا من التخلف كادت أن تقضي على مصرنا الحبيبة. لقد أثبتت تجارب الشعوب المتقدمة أن الإنسان الحر إنسان صادق، منتج، شجاع.. وقد حان الوقت بعد أن منّ الله تعالى علينا بالحرية أن نتخلق بأخلاق الثوار والأحرار، وأن نبدأ فورًا في إزالة رواسب الطغيان من على وجه مصر. وليعلم شباب مصر أن الثورة مستمرة، ولم تنته برحيل الطاغية.. ما زال أمامنا الكثير لنقدمه لمصر وشعبها استثمارًا لحالة الفوران الثوري التي لا تخمد بسهولة أو سرعة. لنعود إلى خدمة الوطن بتطوير عمل اللجان الشعبية، ولنبدأ بأسوأ مظهر يسيء إلينا ويحرجنا أمام السياح والضيوف وأمام أنفسنا؛ وهو حالة النظافة. لا يمكن أن نرضى لأنفسنا ولمصرنا الغالية هذا الوضع المخجل، ولنبدأ في تنظيم معسكرات شبابية في كل حي للقيام بعمليات شاملة للنظافة والترتيب والتنظيم، التي غابت عن حياتنا طوال فترة الطغيان. ولا تقتصر النظافة على مجرد رفع القمامة ووضع نظام متحضر لجمعها والاستفادة منها.. ولكننا بحاجة لتقليم الأشجار وضبط وترميم الأرصفة والبالوعات وأماكن انتظار السيارات، ومناور وأسطح العمارات، وبحاجة ماسة للإزالة الفورية للإعلانات الهمجية التي تشوه حوائط وأسوار كل المباني.. الخ. ويتطلب التصالح مع مصر سرعة التصالح مع لغتنا القومية التي أهملها وشوهها الطغاة بالانتشار الواسع للإعلانات والكتابات العامية والأجنبية بحروف عربية.. لقد كنا في غيبوبة وكادت لغتنا الجميلة أن تفلت من أيدينا، فلنكف عن الكتابة بالعامية، ولنبدأ- في إطار عملية التنظيف الشاملة- بإزالة الكتابات العامية والأعجمية ونشر العربية البسيطة المفهومة. كما يتطلب التصالح مع مصر العمل الجماعي والفوري على وقف ظاهرة الرشا التي انتشرت في كل مرافقنا، ليمتنع كل منا عن تلويث يده بهذه العادة الخبيثة.. ونعتقد أن من كانوا يرضون لأنفسهم مد اليد والقبول بالمال الحرام سوف تصيبهم عدوى الثورة وسيحاولون التخلص من هذه العادة الكريهة والجالبة للعار، إن بدأنا في حملة شبابية ثورية لمنع دفع الرشوة. إن أخلاق الثورة كانت سائدة طوال أيام الثورة فلم نجد موظفًا يؤخر مصلحة، ولم نجد أزمة في أية سلعة، ولم يحاول أحد استغلال حظر التجوال لزيادة الأسعار، ولم نجد حوادث أمنية رغم غياب الشرطة.. إنها فعلًا أخلاق الثوار وأجواء التصالح مع الوطن. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.