اليوم 25 يناير، اليوم الأول في سنة (ثانية حرية).. حيث يخرج ملايين المصريين للاحتفال والفرح واستئناف المد الثوري من جديد. وكما قلت في مقال الأسبوع الماضي، فقد حان الوقت لعودة أجواء التصالح مع مصر، بالرجوع إلى حضنها والخوف عليها والبدء في إصلاح كل ما أفسده الطغيان. وحان الوقت للتخلق بأخلاق الثوار: لنتصافح جميعا ونتسامح ويحب بعضنا بعضا.. لنرمي وراء ظهورنا حالات اليأس من الإصلاح التي أدت إلى إضراب غير معلن عن العمل. كان الكثيرون- في عهد الطاغية- يعتقدون أن العمل المخلص وزيادة الإنتاج لا يعود بالنفع عليهم ولا على الوطن؛ ولكن يعود على لصوص النظام المخلوع، وكان كل من يستطيع التهرب من تسديد الضرائب يقنع نفسه بأنه يفعل الخير لأن أغلب الميزانية كان يخصص لأجهزة الأمن التي تؤذي المواطنين وأجهزة الإعلام التي تخدع الشعب. الآن وبعد الثورة المباركة؛ فقد حان الوقت لتغيير هذا الوضع، هيا نبدأ من اليوم لنعمل معا بصدق وإخلاص لنعوّض عقودا من التخلف كادت أن تقضي على مصرنا الحبيبة. لقد أثبتت تجارب الشعوب المتقدمة أن المواطن الحر إنسان صادق، منتج، شجاع.. وقد حان الوقت بعد أن منّ الله تعالى علينا بالحرية أن نتخلق بأخلاق الثوار والأحرار، وأن نبدأ فورا في إزالة رواسب الطغيان من على وجه مصر. وإذا كانت سنة أولى حرية قد ضاعت هدرا دون جني ثمار الثورة وخيراتها، فنحن الآن أمام حالة ثورية فريدة، لاستئناف المد الثوري، والبدء من جديد.. ولا عذر لأحد. وليعلم شباب مصر وثوارها أن الثورة مستمرة، ولم تنته برحيل الطاغية.. لازال أمامنا الكثير كقادة ثوريين لنقدمه لمصر وشعبها استثمارا لحالة الفوران الثوري التي عادة لا تخمد بسهولة أو سرعة. لنعود لاستئناف عمل اللجان الشعبية، ولنبدأ بأسوأ مظهر يسيء إلينا ويحرجنا أمام السياح والضيوف وأمام أنفسنا؛ وهو حالة النظافة. لا يمكن أن نرضى لأنفسنا ولمصرنا الغالية هذا الوضع المخجل، لنسرع إلى تنظيم معسكرات شبابية في كل حي وكل قرية للقيام بعمليات شاملة للنظافة والترتيب والتنظيم التي غابت عن حياتنا طوال فترة الطغيان. ولا تقتصر النظافة على مجرد رفع القمامة ووضع نظام متحضر لجمعها والتخلص (بل والاستفادة) منها.. ولكننا في حاجة إلى تقليم الأشجار وضبط وترميم الأرصفة والبالوعات وأماكن انتظار السيارات، ومناور وأسطح العمارات، وفي حاجة ماسة للإزالة الفورية للإعلانات الهمجية التي تشوه حوائط وأسوار كل المباني في مصر... الخ. ويتطلب التصالح مع مصر سرعة التصالح مع لغتنا القومية التي أهملها وشوهها الطغاة بالانتشار الواسع للإعلانات والكتابات العامية والأجنبية بحروف عربية.. لقد كنا في غيبوبة وكادت لغتنا الجميلة أن تفلت من أيدينا، فلنكف عن الكتابة بالعامية، ولنبدأ- في إطار عملية التنظيف الشاملة- بإزالة الكتابات العامية والأعجمية، ونشر العربية البسيطة المفهومة. كما يتطلب التصالح مع مصر العمل الجماعي والفوري على وقف ظاهرة الرشا التي انتشرت انتشارا مرضيا في كل مرافقنا، وتوقفت لوقت قصير في أعقاب الثورة، ليمتنع كل فرد منا عن تلويث يده بهذه العادة الخبيثة.. ونعتقد أن من كانوا يرضون لأنفسهم مد اليد والقبول بالمال الحرام سوف تصيبهم عدوى الثورة وسيحاولون التخلص من هذه العادة الكريهة والجالبة للعار، إن امتنع كل واحد منا عن منحها. ونطمئن الجميع أن أخلاق الثورة كانت سائدة طوال أيام الثورة فلم نجد موظفا يؤخر مصلحة، ولم نجد أزمة في أية سلعة، ولم يحاول أحد استغلال حظر التجول لزيادة الأسعار، ولم نجد حوادث أمنية رغم غياب الشرطة.. إنها فعلا أخلاق الثوار وأجواء التصالح مع الوطن، التي يجب أن تعود فورا مع استكمال الثورة. ومع عودة المد الثوري واستئناف الثورة، لابد من تسليم الأمانة والمسئولية لأصحابها المنتخبين، وليعلم الحكام الجدد- المنتخبون- أن أهم وأغلى ثروات مصر هي الثروة البشرية.. لدينا أعظم ثروة بشرية، ولكنها لم تجد من يستثمرها ويستفيد منها. إن الطاقة الإنسانية هي أهم الطاقات، ولكن الطغاة كانوا ينظرون إلى ثروتنا البشرية على أنها مجرد أفواه تأكل وليست سواعد تنتج. لذا ينبغي البدء بعملية التنمية البشرية التي أهملت وشُوهت وأدى تجاهلها إلى تخلفنا في جميع المجالات. هذه قضية عاجلة لا تحتمل الانتظار.. وكانت بداية الانحدار هي شيوع ظاهرة تفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة، وتجلّت في إلغاء مبدأ الانتخاب واستبدال التعيين به؛ بدءا من عمدة القرية.. إلى عميد الكلية!. فالطاغية عندما يجد أن مقاس الوطن كبير عليه وعلى حاشيته.. فهو لا يحاول أن يرتفع لمستوى هذا الوطن الكبير، لانعدام الثقة في النفس، فيعمل على تقزيم الوطن ليناسب مقاسه ومقاس رجاله. وهذا ما حدث لمصر التي تدار في أغلبها منذ فترة طويلة بأنصاف وأرباع الرجال.. وهناك مثل شعبي يقول: نصف الرجل لا يستعين إلا بأرباع الرجال!، وهذا هو السبب في تقهقرنا في جميع المجالات. فإذا كنا حريصين على الاستفادة القصوى من الطاقة الثورية الهائلة التي ولدتها ثورة 25 يناير، فلابد من إعادة النظر وبسرعة في كل القيادات التي جاءت بالتعيين.. والبدء فورا في عملية التطهير الثوري. وإذا كنا ندعوا للتسامح ونُبشّر بالأخلاق الثورية؛ فهذا لا ينطبق على من أفسدوا الحياة السياسية وسرقوا ونهبوا خيرات الوطن؛ هؤلاء لابد أن يكونوا عبرة.. منعا لتكرار المأساة. همسة: •أصيب الفلول وأعداء الثورة- بالداخل والخارج- أصيبوا بالسعار بعد أن نجحت الانتخابات وتبين إقبال الشعب على دعوات الخروج الجماعي للاحتفال بالثورة، وشعروا أن التيار الثوري المتجدد سوف يجرفهم وينهي خططهم الدنيئة للالتفاف على الثورة والانقلاب عليها؛ فأخذوا يرعبون الناس ويصورون الاحتفال بالثورة على أنه معركة دموية لتصفية الثوار وحرق الوطن.. وهذه الادعاءات الباطلة تهدف إلى تخويف الشعب ومنع الملايين من إظهار تأييدهم للثورة والفرح بها، لأنهم- كما شاهدنا مرارا- لا يأخذون فرصتهم ولا يستطيعون تنفيذ مؤامراتهم في وجود الملايين، وكما نعلم فإنهم لم يستطيعوا العبث والتآمر إلا في حالة وجود أعداد ضئيلة.. انتبهوا أيها الثوار. [email protected] ------------------------------------------------------------------------ التعليقات محمد المحمد الإثنين, 30 يناير 2012 - 05:54 pm مثل الماني يقول في بداية عهدي في المانيا كنت اشعر بصدمة نفسية اخلاقية حين اسمع بعض الامثال المتداولة في المجتمع من حولي. إلاً انني بدأت على مر السنين اشعر ببعض القرب من معانيها ومنها هذا المثل البليغ: (طريق جهنم مفروشة بالاماني الحلوة), وهنا اتوجه الى السيد الدكتور عبد الله بعد التحية والاحترام بالقول : يا فضيلة الدكتور شكراً على مشاعرك اتجاه الوطن وامنياتك النرجسية لاهله, لكن وكما أظن أنه قد آن الأوان لأن نخصص الاسلوب الانشائي للمواضيع الذاتية أما اذا تداولنا شؤون الوطن والانسان الاجتماعية وخاصة السياسية والاقتصادية فعلينا ان نلتزم بالاسلوب الواقعي الموضوعي العلمي . نعم غالبية المواطنين الشرفاء الطيبين يشعرون بكل ما عبرت عنه في مداخلتك ويتمنون للوطن كل ماتمنيت ايها الكريم لكن ادرك الانسان منذ غابر الزمان ما عبر عنه شوقي في بائيته الجميلة :\r\nوما نيل المطالب بالتمني +++ و لكن تؤخذ الدنيا غلابا\r\nلك عاطر التحية وخالص الاحترام