لأنني أنا العبد لله، لم أتعود الدخول في سجالات أو مهاترات مع أحد، فما البال إذا كانت مع قرّاء أعزاء، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، في إطار الاختلاف الفكري والصخب الدائر على الساحة المصرية حالياً. ومع أن مقال الأسبوع الماضي "غطيني وصوّتي" استحوذ على هجوم بعض الآراء، التي تجنبت مناقشة الفكرة، وانزلقت إلى ما اعتبرته "طفح المجاري" لتأخذ من الصرف الصحي أسوأ ما فيه، واندفع بعضها في شكل منظم للهجوم على الصحيفة، والقائمين عليها، ولاحقوني برسائل إلكترونية على بريدي الخاص، فيها من الشتائم ما يعفّ عنه اللسان، ويتناقض مع الخلق القويم، وفيها من التهديد أيضاً ما لم يهز شعرة واحدة، وبطبيعتي أتقبل هذا بصدر رحب. لكن المفجع، أن يأتي أحدٌ من أتباع "آل بلبوص" ويقول إنه يعرفني تمام المعرفة، ويؤكد أنني من محافظة الشرقية (بلد الريس)، بل يجزم أنني أقيم في الإمارات، كإشارة خبيثة للتبعية للفريق أحمد شفيق، وأقبض بالدولار، وهذا وحده مناقض لحقائق الجغرافيا وشهادة الميلاد والتعليم والعمل والإقامة، ليس هذا فقط، إضافة إلى التهم الجاهزة من أنني علماني وليبرالي وكاره لكل ما هو إسلامي (أي تكفير مبطّن) وغيرها من الأسطوانات المشروخة التي يكررها كثيرون كالببغاوات. والغريب، أن هذا "البلبوص" يفتتح حديثه بأنه لا ينتمي للإخوان، ولا أدري لماذا ينكر إذا كان الانتماء شرفاً، ولا يعترف إلا إذا كان الاعتراف تهمة؟ كلهم يقولون ذلك، أكثر من شخص تحاورت معه، حتى في لقاءات تليفزيونية، يحرص على التأكيد، على أنه ليس من الجماعة، متناسياً أني لم أتهمه، ولم أطالبه بإثبات العكس، والسبب أنهم يحاولون أن يصدّروا للمستمع وَهْم الحيادية، وأنهم فقط "وطنيون يبحثون عن مصلحة البلد" كأن غيرهم هو من يحمل معاول الهدم والخراب والانتقاص، دائماً يستعيدون عقدة "الماسادا" ومحابس الجيتو اليهودية، للإيهام بأنهم فقط هم الذين سجنوا أو عذبوا. مع أن الحقيقة أنهم وإن كانوا سجنوا أو عذبوا، فليس من أجل قضية وطنية، كالفقر أو التعليم أو الصحة أو الحرية أو العدالة.. لقد تناسوا أنهم سجنوا لأنهم كانوا أعضاء في تنظيم غير قانوني ومحظور (!!) كما أن الحقيقة أيضاً أن أكثر من سجنوا هم من الجماعات الإسلامية، وأن سجون الإخوان كانت رفاهية 5 نجوم، واسألوا خيرت الشاطر وبديع وغيرهما.. كما أن صفقاتهم مع النظام السابق معروفة، وما تصريح مرشدهم بأن لا مانع لديهم من ترشح "الأستاذ جمال مبارك" للرئاسة إلا عيّنة. حديث آل بلبوص هذا، ذكّرني، بشخص كان يدعي العلم، كنا نتحدث ونحن طلبة خلال الثورة الإيرانية، عام 1979، ليصرخ من أن الشيوعية قادمة، ولما صحّحت له من أن هناك فارقا بين الشيوعية والشيعة، هز رأسه بازدراء، وقال: "كلهم زي بعض".. سكت لأنني رأيت "أبو جهل" يُبعث من جديد، وانسحبت بهدوء، لأن عمّنا جحا قال قبل قرون إنه لا فائدة في تعليم الجهال! مشكلة البعض، أنه يفتعل الخصومة، ويربطها بالمقدّس الديني، بحثاً عن عصمة الشخص أو الرأي أو الموقف، لهذا فإن أمثال "أدون بلبوص" هذا كثيرون، ينجرون وراء تقبيل الأيدي، ويمشون في قوافل السمع والطاعة، دون أن يعملوا عقلهم ولو لمرّة واحدة، وليتهم يكتفون بذلك، بل يرمون غيرهم بأشياء ليست إلا في خيالاتهم وعقولهم فقط، ويدّعون أنهم وحدهم من يملكون مفاتيح الحقيقة، وأنهم وحدهم القيّمون على الدين، وحراسه.. وهذه آفة من آفات بعض أفراد الجماعة، الذين يثرثرون ولا يصدقون إلا أنفسهم، وكأنهم يعيشون في بلد آخر، لا يرون ما نرى، ولا يسمعون ما نسمع! مشكلة الجماعة التي أوهمتنا بكوادرها، أنها لا تدرك أنها ناجحة للغاية، في مشاريع تربية "العجول" كتجارة، ولم تقم أبداً ب"تنمية العقول"، لهذا فشلت في اختبار الحكم، لأن هناك فارق كبير، بين إدارة جمعية خيرية وإدارة الدولة، وما حدث في "كشك أم عبده" قبل أيام، عندما أذاع التليفزيون جلسة مناقشة سد النهضة في إثيوبيا "السرية" على الهواء، تأكد للكثيرين أن ما حدث ليس في قصر الاتحادية الرئاسي، وأن الحاضرين مجرد مهرّجين وبهلوانات، باعتبار أننا في سيرك، ولسنا في مصيبة أمن قومي. مهما كانت المبررات، لم يكن هذا الحشد من الأنصار والأتباع، سوى تمثيلية مكررة، صحبها إخراج سيئ جداً، من مخرج رديء، مثل مسرحية استقبال الجنود الذين اختطفوا، ثم عادوا.. دون أن نعرف لماذا خطفوا؟ وبأي ثمن عادوا؟ ومن وراءهم؟ وهذا ما يعيدني إلى ما سبق أن قاله لي المستشار السابق بالرئاسة المصرية، الدكتور الفاضل خالد علم الدين، عقب إقصائه بطريقة مهينة، إنه يدرك الآن أنه كان يعمل في "........." وليس في مؤسسة ينبغي أن يكون لها أصولها وقواعدها. الدولة المصرية في حدوتة "كُشك أم عبده" وضعت نفسها في موقف حرج مع دول تربطنا بها علاقة تاريخية، مهما اختلفت الأمور والأوضاع، وأعادت إلينا استنساخ شخصية المخبر السري كما الأفلام القديمة، أو حكاية محطة "المطار السري" التي كنا نتهكم عليها، كمثال على مدى السذاجة الشديدة في التعامل مع معلومات يُفترض أنها سرية للغاية.. لنتأكد أننا أمام عقليات لا تصلح حتى لمناقشة فكرة فيلم هابط.. يقوم ببطولته، شويّة كومبارس يبحثون عن دور في قهوة "بعرة"! أظن ح يطلع واحد من إياهم ويقول لي إن قهوة بعرة برضو في محافظة الشرقية!
جاتكو وكسة؟!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.