بداية أقرُّ كوني أحسب نفسي واحدة من مثقفي مصر.. ويصعب عليّ تحمل هذه الروح الحادة التي تسيطر على الأجواء الثقافية، أنني واحدة ممن ترقبوا قدوم الدكتور أسامة أبو طالب لتولي قيادة وزارة الثقافة، لما يتمتع به من حضور وحيوية في المشهد الثقافي تمكنه من الإضافة للحالة الثقافية التي ضربها التيبس، وصارت كغيرها من مؤسسات الدولة أسيرة الشللية ومراتع الكيانات الصغيرة المتحكمة في مفاصل دقيقة تعطلها، فلا هي التي تنطلق بها ولا هي التي تسمح لغيرها أن يضيف إليها جديدًا! وبالرغم من عدم معرفتي على الإطلاق بالوزير الجديد لكن هذا لا يعني عدم كفاءته لمجرد أنني لا أعرفه، ولعل الهجمة الشرسة على الوزير الجديد والطعن في كفاءته والطعن في أخلاقه، والعديد من الطعون التي لم يثبت عليها دليل واحد حتى الآن، من الأمور المريبة، التي تدفع المراقب لتساؤلات منها: ما الذي يدفع أسماء كبيرة لمهاجمته خصوصًا أن بعضها أسماء لامعة من أكاديميين، وسياسيين، وروائيين ورؤساء مجالس إدارة، بل وجبهات وتحالفات إبداعية كثيرة، لم أر منها أي بادرة نور في السابق، وما عهدته وعاهدناه منها، إلا الفساد والتلون في المواقف ويدور بعضها حيث تدور المصلحة! وإذا كان هؤلاء المهاجمون الشرسون يتعللون بأن الوزير الجديد غير معروف لدى المثقفين، فكثير من المثقفين لا يعرفون بعضهم إلا بقصص الفساد وإهدار المال العام، والانحراف الأخلاقي أيضًا، ولولا الصفحات والبرامج التي تفرضهم قهرًا بقوة العلاقات مع الأجهزة الأمنية لما مكنهم إبداعهم الفقير من أن يعرفهم أحد، ومع ذلك فلم نجد لهم ما يشد الناس إليهم، (حاول أن تجرب بنفسك واسأل أول عشرة مثقفين من محترفي القراءة كم كتابًا قرأت لهذا الأديب الشهير، وكم عرضًا مسرحيًا شاهدت لهذا المؤلف الجهبذ؟!) أؤكد من جديد أنني كنت واحدة ممن أزعجهم خبر إعلان تولي عبد العزيز حقيبة الثقافة، لكنني في المقابل الآن أشد انزعاجًا من هذه الحرب التي حين تأملتها لم أجد تحتها غير اتهام واحد جدير بالتثبت منه، وهو تورطه في علاقة مخلة. وسواء كانت التهمة حقيقية أو مفتراة، فالثابت أن الذين اصطفوا لمهاجمة الوزير الجديد زلزلهم أن يأتي أحد من خارج المنظومة، ولم يعنهم أي شيء، كل ما يهمهم أنه ليس منهم، وهذا معناه خطير! ألم يدافع هؤلاء المثقفون أنفسهم عن الروايات الجنسية الثلاث، ألم يدافعوا عن رواية "وليمة لأعشاب البحر"، أليسوا بذاتهم من اصطفوا خلف فاروق حسني الذي قال عنه الأديب الراحل عبد الرحمن الشرقاوي رحمه الله: "لا أقبل أن يكون وزيري من الشواذ"، بل وأعلنها إن تولى فاروق حسني للوزارة "على جثتي". ألم يشرف بعض المتباكين على الأخلاق على طباعة مئات الأعمال الجنسية التي تهدر الأخلاق وتدعو لتحلل المجتمع؟ ألم يفاخروا بهذا بل وتصادموا مع الأزهر الشريف (هم أنفسهم من يدافعون عن الأزهر حاليًا)؟، ودعوا فاروق حسني لرفع القضايا على جبهة علماء الأزهر التي ثارت للاعتداء على أخلاق المجتمع وقيمه؟! يقول المثل: "إن كنت كذوبًا فكن ذكورًا"، لاسيما أننا جميعًا نملك ذاكرة خارجية اسمها "جوجل" وبضغطة زر واحد تظهر التناقضات والكذبات والخيبات وكل شيء! وأخيرًا سواء بقى الوزير في منصبه أم غادر، فالذي سيستقر في ضمير المثقف المصري وكل مصري حر شريف أن هذه العصبة التي ذبحت الأخلاق وحاربتها تحت دعوى حرية الإبداع في الزمن البائد هي نفس عصبة الفساد التي تبكي على الأخلاق الآن، حينما تعلق الأمر بمصالحها الشخصية لمجرد أن الوزير جاء من خارج "الشلة". إن تولي عبد العزيز، وإن لم يكن مرضيًا لكثير من المثقفين الآن، فهو يحمل فائدة كبيرة؛ وهي فصل قاطرة الفساد عبر رجل ظل طريدًا في الأكاديمية ما بين فصل واضطهاد. وأخيرًا.. كنت أتمنى أن تكون وقفة المثقفين الحالية لتحرير وزارة الثقافة من وزير قيل إنه جاء لينتقم منهم.. ولكن تحريرها من الشلل العنكبوتية التي ظلت مسيطرة لعقود كثيرة على كل المؤسسات الثقافية، ولم يستطع "ثائر" منهم أن ينطق بكلمة واحدة حتى لا يُحرم من العطاء أو يُعاقب بالمنع!