الاحتجاجات المتوقعة يوم 30 يونيه، أعادت طرح سؤال الشرعية مجددًا، وهو هذه المرة جاد وحقيقي.. ولم يعد سؤالاً "داخليًا"، وإنما بات يشغل العواصم والمؤسسات التي تتقاطع مصالحها مع مصر. أزمة الشرعية إذن باتت "عابرة للحدود"، حتى أن صندوق النقد الدولي، علق قراره إلى ما بعد 30 يونيه.. وكذلك أديس أبابا، طوت ملف "سد النهضة" إلى ما بعد هذا اليوم، إذ يجد العالم نفسه أمام سؤال الشرعية: مع مَن يتحدث؟! والمجتمع المصري، ينقسم حول "شرعية الرئيس". هذا السؤال هو "سؤال اللحظة".. بل هو المحدد الأساسي، لكل الأنشطة السياسية في مصر، بما فيها مؤسسة الرئاسة. الحوار الوطني الأخير الذي شهده قصر الاتحادية يوم الاثنين 3/6/2013، بشأن الأزمة مع إثيوبيا، لم يكن في فحواه الحقيقي حصريًا على مناقشة الاعتداء الإثيوبي على حصة مصر من مياه النيل، وإنما كان اجتماعًا ل"استعادة الشرعية" المتآكلة.. لأن ما كان يشغل الرئاسة في المقام الأول، هو استجابة قادة المعارضة التي ترفض شرعية الرئيس لدعوتها.. فحضورها يعني الاعتراف ب"شرعيته".. وتجهض أهداف "ثورة يونيه" الجاري.. والتي على رأسها إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. من الثابت في أي تجربة ديمقراطية، أن "الشرعية" ثابتة لا تتغير.. ولكن "الشعبية" هي التي تتغير: تزيد أو تنقص.. ولكن يبدو لي أن هذا الثابت ليس "مطلقا" ولكن له استحقاقات، وشروط إذا تم الإخلال بها.. يجري على "الشرعية" ما يجري على "الشعبية" من تبديل وتغيير. ما يحدث في تركيا الآن، ربما يكون دليلاًَ على ذلك.. فشرعية أردوغان التي جاءت بالصندوق.. باتت مهددة الآن، وتآكلت بشكل سريع، حين اعتقد أن "شرعية الصندوق" تعطيه تفويضًا مفتوحًا لعمل أي شيء، فاكتشف هذه الأيام أن شرعية "التوافق الوطني" أقوى بكثير من شرعية الصندوق التي استخدمها في إهانة المعارضة وقتل المتظاهرين. في تركيا.. جاء هذا الخطأ بعد سنوات من حكم حزب "العدالة والتنمية".. ولم تشفع له إنجازاته المبهرة والتي جعلت أردوغان "الإسلامي" يفوز بأصوات "العلمانيين" في أي استحقاق انتخابي تركي. في مصر كان الخطأ "مبكرًا"، حين اعتقد الرئيس بأن شرعية الصندوق تعطيه تفويضًا "إلهيًا" ليفعل ما يشاء.. إلى حد تحصين قراراته ورجاله وإنزالهم منزلة "أرفع" من أعلى سلطة قضائية. ولذا، فإن بعض قادة الرأي والسياسة، يرون أن الرئيس كان "شرعيًا" إلى ما قبل 22 نوفمبر الماضي 2012.. إلا أنه فقد شرعيته بحسب رأيهم ولا أوافقهم عليه بعد هذا اليوم حين وضع إعلانًا دستوريًا، اعتبر إخلالاً ب"شروط العقد" الذي جاء به إلى سلطة. لا بد أن نعترف بأن البلد فعلاً منقسم حول شرعية الرئيس.. وهو ما يجعل يوم 30 يونيه، محل أنظار الداخل والخارج.. ويكتم الجميع أنفاسه، ريثما يشرق فجر اليوم التالي.. خاصة أنه فعلاً مفتوح على كل الاحتمالات: وقد يبقى الرئيس وقد يرحل.. وعلمتنا تجربة 25 يناير 2011 أن أكبر وأعظم الثورات هي في واقع الحال من أصغر الحركات الاحتجاجية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.