في اليوم الرابع من الاضطرابات الشعبية التي عصفت بتركيا دعا الرئيس عبد الله جول المتظاهرين إلى الهدوء مؤكدًا لهم "أن الرسائل التي وجهت بنوايا حسنة قد وصلت"، حسب النص الذي نشرته وكالة الأناضول، جول العاقل أضاف في التصريح نفسه شارحًا قوله "الديمقراطية لا تعني فقط انتخابات"، عبارة "جول" لا تختصر لنا الحسابات الخاطئة في تركيا، بل تختصر لنا الحسابات الكارثية في مصر، لأن اضطرابات تركيا كان مفجرها حادث صغير وهو إزالة حديقة عامة وإقامة بناء تجاري مكانها، لا توجد قضية في الحقيقة تستحق، لأن الإنجازات التي حققها جول وأردوغان وحزبهما مذهلة وتكفي لمنح الثقة لتلك الحكومة عشرين عامًا مقبلة، ومع ذلك وقعت تلك الاضطرابات التي كان يمكن أن تطيح بأردوغان نفسه على خلفية "جليطة" خطابية من أردوغان أهانت المتظاهرين وأيضًا سوء استخدام الجهاز الأمني في وقف الاحتجاجات، وقد تصرف أردوغان الذي نعتز بصدقيته وروعة إنجازاته مدفوعًا بما يشبه غرور الانتصار الديمقراطي وغرور الإنجاز، ولم ينتبه إلى أنه إن كان قد حصل على دعم وتفويض من خمسين في المائة من شعبه في الانتخابات فهذا يعني أن نصف الشعب ضده، وأنه يتوجب عليه احترام هذه الملايين المختلفة معه، وأن التفويض الذي منحه إياه صندوق الانتخاب لا يعني مطلق العمل ومطلق القول ومطلق السلوك السياسي، وإنما يعني منحه "تصريح مزاولة عمل" أو تأشيرة عمل، ويبقى أن يحسن العمل ويعمل بمقتضى تلك التأشيرة، لأن تصريح مزاولة المهنة للطبيب لا يعني إعفاءه من المسؤولية إذا تسبب في وفاة مريض واحد أو إصابته بمرض خطير، وتصريح مزاولة المهنة للمهندس لا يعني إعفاءه من المسؤولية عن انهيار مبنى أشرف عليه وأدى إلى وفاة عدد من البشر، وهكذا تأشيرة رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء لا تعني إعفاء صاحبها من المسؤولية المباشرة عن أي خطأ كارثي يؤدي إلى خسائر أرواح أو ممتلكات الناس، هذا هو ملخص ما قاله الرئيس التركي عبد الله جول بعد تجربة ديمقراطية رائعة، وهذا هو ملخص الدرس الذي نسيه أردوغان المنتشي بالنصر في صندوق الانتخابات والانتصار في ساحة الإنجازات، وهو ما لخصه "الهادئ العاقل" عبد الله جول بقوله "الديمقراطية ليست انتخابات" أو الديمقراطية ليست صندوق انتخابات. متى يصل هذا الدرس والوعي والحكمة العاقلة إلى القيادة المصرية وإلى الإخوان المسلمين في مصر الذين أربكوا الدنيا بقراراتهم وسلوكهم المتعجرف وأخطاء فادحة؟ وكلما غضب الناس أو انتشرت الاحتجاجات خرجت الأصوات بعبارة واحدة "بيننا وبينكم صندوق الانتخابات"، والرئيس أتى بصندوق الانتخابات، ومن يعترض عليه أمامه صندوق الانتخابات، حتى كأنهم يدفعون الناس للكفر بحكاية صندوق الانتخابات، الذي تحول إلى ما يشبه عملية "نشل" الوطن وخطفه في لعبة سريعة ثم نخرج لساننا للجميع بعدها حتى لمن أعطونا أصواتهم، ونمارس القمع الأمني والعبث الاقتصادي والتشريعي، وابقوا قابلونا بعد أربع سنوات، هذا السلوك يمثل أسوأ دعاية للديمقراطية وأقبح تشويه لفكرة الانتخابات، وبمناسبة تركيا والتجربة التركية، أقتبس نصًا من الحوار الذي تنشره المصريون اليوم للخبير التركي المتخصص في الشؤون المصرية "جومالي أونال" في عدد الجمعة من الصحيفة يقول فيه ما نصه (في بعض الأحيان تدفع الحسابات الخاطئة الأحزاب لاتباع سياسات خاطئة وتمنعها من الوصول لنتائج جيدة. عندما جاء الإخوان للسلطة في الانتخابات البرلمانية الأولى اعتقدوا أن الجماهير خلفهم، بالطبع فإن الأعداد كانت كبيرة بالنسبة لحزب، ولكن نسبة كبيرة جدًا من أولئك الذين صوتوا لجماعة الإخوان فعلوا ذلك لأنهم لم تكن لديهم أي معرفة بالأحزاب الأخرى، لقد كان أمام الإخوان فرصة كبيرة للغاية لاحتضان الآخرين والمضي سويًا في طريق السياسة، ولكنهم تجاهلوا مطالب الآخرين ومشوا وحدهم. أن تكون وحيدًا في السياسة حتى وإن كنت تحظى بدعم كبير يعني أنك قائد حزبك فقط. القادة يجب أن يكونوا قادة للجميع على أرضهم. مرسي لا يزال يعمل على أن يكون قائد لجميع المصريين، ولكني أعتقد أن الأوان قد فات قليلًا. يجب على الإخوان مراجعة كل سياساتهم واحتضان جميع المصريين)، انتهى النقل عن كلام الخبير السياسي "جومالي أونال"، وأرجو وأتمنى أن نستوعب الدرس سريعًا وقبل فوات الأوان. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.