حاسبات أسيوط تفتح باب القبول في الدبلومات المهنية لتكنولوجيا المعلومات    موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 الثانوية العامة.. رابط موقع التنسيق    بماذا نأخذ سياسة هذه الجريدة؟    «الأطباء البيطريين» تدعو لعقد جمعيتها العمومية العادية في 29 أغسطس الجارى    القابضة للمياه تعقد عموميات الشركات التابعة لاعتماد الموازنة التقديرية 2025 - 2026    أسعار الإيجارات في مصر بعد عودة السودانيين لبلادهم.. مفاجآت في السوق العقاري    وزير الإسكان: 18 و19 أغسطس الجاري..إجراء 3 قرعات علنية لتسكين المواطنين بأراضي توفيق الأوضاع بالعبور الجديدة    وزيرا الخارجية والاستثمار يبحثان آليات الترويج الفعّال للاقتصاد المصري وجذب الاستثمارات    البيت الأبيض: ترامب يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا عبر الدبلوماسية    ختام معسكر الفوج الثالث من حكام النخبة والمميزين بدوري المحترفين    ثروت سويلم: مراقب مباراة الأهلي ومودرن سبورت لم يُدون أي ملاحظات على الجمهور    الزمالك يصرف مقدمات عقود لاعبيه للموسم الجديد ويعد بالانتظام في المستحقات    عاجل.. الأهلي يتجه لطلب حكام أجانب لمباراته أمام بيراميدز بالدوري    النيابة تصرح بدفن جثمان شاب قتله بائع متجول في المنيا    السكة الحديد: خفض مؤقت لسرعات القطارات بسبب ارتفاع الحرارة    محافظ الغربية يتابع استعدادات امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة    وزير الثقافة يلتقي فتيات البرنامج الرئاسي «أهل مصر» لأبناء المحافظات الحدودية    من مقاومة الاحتلال والملكية إلى بناء الإنسان والجمهورية الجديدة.. معارك التنوير مستمرة    تعرف على لجنة تحكيم برنامج the voice kids    25 ألف.. هل سيتم سحب فيلم "المشروع X"؟    هنادي مهنا نجمة «بتوقيت 28».. ثاني قصص سلسلة «ما تراه ليس كما يبدو»    محافظ الدقهلية: تحقيق فوري مع المتغيبين بمستشفى تمى الأمديد وجراءات صارمة لرفع كفاءة المستشفيات    طريقة عمل الكيكة العادية فى البيت بمكونات اقتصادية    إسرائيل تحذر لبنانيين من الاقتراب إلى مناطقهم الحدودية جنوب البلاد    الرقابة المالية تصدر معايير الملاءة المالية للشركات والجهات العاملة في أنشطة التمويل غير المصرفي    علشان يسرق فلوسه.. قليوبي ينهي حياة جاره المسن داخل منزله    تعاون بين الثقافة والسياحة والآثار في فعاليات مبادرة النيل عنده كتير.. لعزة الهوية المصرية    أسامة نبيه: حققنا مكاسب كثيرة من تجربة المغرب    السودان يرحب ببيان مجلس الأمن الذي يدين خطط الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية    شقيقة زعيم كوريا الشمالية: لا نرغب فى تحسين العلاقة مع الجنوب.. وتنفي إزالة مكبرات الصوت    سعر الأسمنت اليوم الخميس 14- 8-2025.. بكم سعر الطن؟    بسبب خلافات أسرية.. الإعدام شنقاً للمتهم بقتل زوجته وإضرام النيران في مسكنهما بالشرقية    «الأعلى للطاقة» يناقش توفير القدرة الكهربائية ل14 مشروعًا صناعيًا جديدًا    إي إف جي القابضة تواصل مسيرة النمو الاستثنائية بأداء قوي خلال الربع الثاني من عام 2025    الائتلاف المصري يستعد لمراقبة انتخابات الإعادة: خطط عمل وأدوات رصد للتنافسية داخل 5 محافظات    خارطة طريق للمؤسسات الصحفية والإعلامية    قرار قاسي في انتظاره.. تفاصيل عفو الزمالك عن فتوح وشرط جون إدوارد    انطلاق منافسات نصف نهائى السيدات ببطولة العالم للخماسى الحديث تحت 15 عاما    الليلة.. انطلاق فعاليات الدورة الثالثة من «مسرح الغرفة والفضاءات» بالإسكندرية    السيسي يوجّه بتحويل تراث الإذاعة والتلفزيون المصري إلى وسائط رقمية    ما حكم اللطم على الوجه.. وهل النبي أوصى بعدم الغضب؟.. أمين الفتوى يوضح    عمر الشافعي سكرتيرًا عامًا وإيهاب مكاوي سكرتيرًا مساعدًا بجنوب سيناء    بيان رسمي.. توتنهام يدين العنصرية ضد تيل بعد خسارة السوبر الأوروبي    درجة الحرارة اليوم.. احمي نفسك من مضاعفاتها بهذه الطرق    حصول معملي الوراثة الخلوية ووحدة المناعة بالمعهد القومي للأورام على الاعتماد الدولي    فرنسا ترسل تعزيزات لدعم إسبانيا في مكافحة الحرائق    رئيسة القومي للطفولة تزور الوادي الجديد لمتابعة الأنشطة المقدمة للأطفال    ضبط موظف بمستشفى لاختلاسه عقاقير طبية ب1.5 مليون جنيه    الداخلية تكشف تفاصيل إجبار سيدة على ركوب سيارة تحت تهديد السلاح    الداخلية تضبط عدة تشكيلات عصابية تخصصت في السرقات بالقاهرة    ريبيرو يراجع خطة مواجهة فاركو في المران الختامي للأهلي    مع اقتراب موعد المولد النبوي 2025.. رسائل وصور تهنئة مميزة ب«المناسبة العطرة»    100 منظمة دولية: إسرائيل رفضت طلباتنا لإدخال المساعدات إلى غزة    خالد الجندي: حببوا الشباب في صلاة الجمعة وهذه الآية رسالة لكل شيخ وداعية    «100 يوم صحة» تُقدم 45 مليونًا و470 ألف خدمة طبية مجانية في 29 يومًا    أدعية مستجابة للأحبة وقت الفجر    التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا    في ميزان حسنات الدكتور علي المصيلحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلم الأخضر أسماء عايد
نشر في المصريون يوم 24 - 03 - 2010

في جامعة بارما الإيطالية كانت بداية الالتحاق بكلية الصيدلة قسم الكيمياء الصيدلية، تلتها جامعة مودنا قسم الأعشاب الطبية، وذلك لسببين؛ الأول أن بلادنا بحاجة إلى تطوير هذا الفرع من المجال الصيدلي على أسس علمية وبحاجة إلى تشريع قوانين لفرع الصيدلة الطبيعية، الثاني أنني بالفطرة أميل لنتاج الطبيعة وألوانها لا سيما الأخضر! ليس فقط لأن والدي مهندس زراعي ، ولا لأن أفضل أساتذتي بالجامعة (البروفيسور ألبرتو بيانكي) خبير علم النبات؛ مازال حتى الآن يدعوني لحضور الندوات العلمية ويعلمني بها-رغم أنه أحيل على المعاش، وإنما لأنني من جيل الشباب الذي نشأ بين أحضان مصر وترعرعت حواسه وهو يشاهد برنامج صباح الخير يا مصر وسماع أغنية الصباح:"عايزنها تبقى خضرا..الأرض اللي في الصحرا.. ونقدمها لمصر هدية حاجة جميلة ومعتبره.." ثم خرجت أغنية مشروع توشكى، ومشروع سداد ديون مصر ومشروع شرق التفريعة ومشاريع أخرى كثيرة تحمسنا لها ثم نظرنا حولنا فاكتشفنا أن آخر مشروع شعبي ناجح كان مشروع القرش لصناعة الطرابيش محليا في أوائل القرن التاسع عشر! وأن ما شاهدناه في التلفاز المصري مجرد فرقعة إعلامية لخداعنا.
واكتشفت أنني من بلد النيل الذي يحتوي على أكثر من ثلث آثار العالم؛ غير أن رجل الأعمال أحمد عز (أمين التنظيم بالحزب الوطني) قدم إلى مجلس الشعب- في بداية 2010 – مشروع قانون يطالب فيه الدولة بالموافقة على السماح بحرية تداول الآثار والتجارة فيها! وكان اعتقادي القديم أن الأصل في الآثار أنها ملك الأمة وليس من حق أحد أن يتصرف فيما تملك الأمة خاصة إن كان سيؤدي بتهريبها للخارج. وكنت أيضا أعتقد بأن الموارد الطبيعية الوطنية هي ملك الشعب المصري والأجيال اللاحقة ولذلك على السلطة التنفيذية أن تحظى بموافقة السلطة التشريعية قبل اتخاذ قرار كقرار تصدير الغاز المصري لإسرائيل مثلا! الذي بدأ في مارس 2008 عملا باتفاقية وقعت عام 2005 ، وقد أعلن عمرو حمودة (خبير بترول ومدير مركز الفسطاط للدراسات) أن مصر تقوم بتصدير الغاز إلى اسرائيل بسعر 1.25 دولار للمليون وحدة بريطانية- أي بأقل من قيمته المتداول بها في الأسواق العالمية! لذا، تقدم الدبلوماسي السابق إبراهيم يسري برفع قضية على الحكومة أمام المحكمة الإدارية، لكن حتى الآن مازال الحال كما هو عليه، بل تحول إلى مسرحة عبثية عندما أعلنت الحكومة في يناير 2010 عن اتجاها لاستيراد الغاز لتلبية احتياجات السوق المحلية بدعوى الاستفادة من تراجع الأسعار عالميا! ألا تشعر معي بأنها أدنى أنواع الكوميديا؟! فهي دليل على أن مصر ليس لديها احتياطي من الغاز لتصديره، وتكشف ادعاءات وزارة البترول-أمام المحكمة- بأن لدينا احتياطي يكفي 100 عام!
واكتشفنا ان هناك ما يقرب من 22.7 مليون لغم ارضى بأراضي مصر منذ وقت الحرب العالمية الثانية، مما يجعلها غير مستغلة رغم أن بها مليار متر مكعب من مياه الآبار 4.8 مليار برميل بترول و 13.4 تيريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. واكتشفنا صفقات استيراد القمح الفاسد، وتوزيع الأرز الفاسد، وأن نسبة البطالة في مصر بلغت 51% من حملة المؤهلات العليا وأن 17% من العاملين لا تتعدى مرتباتهم 250 جنيه مصري (حسبما أعلن اللواء أبوبكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء)،واكتشفنا أن أطفال الشوارع في مصر عددهم أكثر من 2 مليون طفل وربما تكلفة المؤتمرات التي تتحدث عنهم كافية لإنقاذ المئات منهم من الضياع والسلوك الإجرامي، واكتشفنا الكثير والكثير من الكوارث التي باتت تعاني منها مصر .
كالثروات التي خرجت من البنوك المصرية إلى بنوك في الخارج ولم تعد، وكالتعرض الجائر للأراضي الزراعية ومشكلة تآكلها والبناء عليها، والعشوائيات بكل ما ينتج عنه من مشكلات اجتماعية وأمنية والتي يسكنها 12 مليون مصري (كما أشارت لجنة الإسكان بمجلس الشعب)، وكقتل المصريين في العبارات والقطارات وعلى الأسفلت، وتعذيبهم حتى الموت في السجون وأقسام الشرطة حتى وصفنا آخر تقرير لمنظمة "هيومان رايت ويتش" بأن مصر دولة بوليسية تقمع الحريات، ناهيك عن الرؤية الضبابية التي أعادت مصر إلى الوراء مائة عام وأكثر .
وعلى ذكر كلمة"عام" فقد قفز إلى ذهني عام 1964، وقتئذ انعقدت القمة العربية لتدعو إلى تحويل مياه نهر الأردن لمنع اسرائيل من الشرب، أما في 2010 فلا أملك توقعات بشأنها! ورغم أنني لا أحبذ منع المياه عن إسرائيل أو أي كيان آخر-لأنها دعوة غير إنسانية بل أعتقد أن شوفينيه هتلر التي أبادت ملايين اليهود كانت سببا فيما تحمله اسرائيل اليوم بداخلها من كره ورغبة في الانتقام الأسود من العالم أجمع ورغم ذلك فبينهم من يقف في صفنا ويتظاهر معلنا رفضه لما يحدث للفلسطينين- لكن أبهى ما كان في الدعوة آنذاك هو أن العرب اتحدوا في تحديد عدوهم.
أما معظم اليهود- وتحديدا الحركة الصهيونية التي عملت على تأسيس دولة اسرائيل- فقد حددوا عدوهم بوضوح فصوبوا كل أسلحتهم تجاهه وأقاموا العلاقات والأحلاف مع كل من يؤيدهم، ولم ينشغلوا بتحديد هويتهم وتاريخهم وصدق ادعائهم بالحق في الأرض لإقناع العالم به بل اشتروا الضمائر ليستصدروا قرارا من الأمم المتحدة بتأسيس دولتهم، ثم أحيوا لغتهم العبرية المنقرضة وجعلوها لغة محكية في القرن العشرين، وأخرجوا أساطير التوراة التي لا يؤمن بها الكثير منهم ليجعلوا من شتاتهم شعبا وجيشا لدولة عصرية. أما العرب فلم ينتهوا بعد من الاتفاق على الهوية ولا حتى على معايير البحث فيها ولم يقبلوا بعد فكرة الاتفاق فيما بينهم على القضايا المشتركة الكبرى طالما ظل الخلاف قائما على التفاصيل، فالتخلص من العدو الداخلي أولى عندهم من مواجهة العدو الخارجي المشترك لهم جميعا، وأولى من البحث عن حل للقضايا المصيرية التي تهم شعوبهم من المضطهدين والمظلومين والجوعى وغرقى قوارب الموت على سواحل أوروبا.
صحيح أني ولدت وجئت الى هذه الحياة بعد ستة عشر عاماً من رحيل جمال عبد الناصر عنها الا أنه مازال ينبض في عقلي وعقول الملايين من أبناء الوطن العربي، وزعامة عبد الناصر لا تكمن فقط في اهتمامه بالقومية العربية - أحد الأحلام الخضراء للشعوب العربية- ذلك أن الفكرة قد قامت في أول مرة بتشجيع من الحكومات الفرنسية والبريطانية خلال الحرب العالمية الأولى لأنهم كانوا يسعون إلى الحصول على حلفاء لهم في حربهم ضد ألمانيا والامبراطورية العثمانية ولكن في نهاية الحرب تخلى الأوروبيون عن التزامهم تجاه العرب- كعادة الغرب، وفي الأربعينيات من القرن الماضي تم تناول قضية التوحيد مرة أخرى بقيادة جورج حبش، وفي نفس الوقت تقريبا ظهرت الحركة الناصرية وأرتقت الفكرة بقوة شديدة.
عبد الناصر الذي قاد ثورة يوليو ووحد سوريا ومصر ثم ساهم في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية؛ ما كان ليفكر في تشييد "جدار فولاذي" بين كيان مصر وجزء من كيان فلسطيني (غزة)، ولا بوضع "بريما" للحفر يتراوح طولها بين 7 - 8 أمتار لعمل ثقبٍ في الأرض بشكلٍ لولبيٍّ، ثم تقوم رافعة بإنزال ماسورة مثقبة باتجاه الجانب الفلسطيني بعمق 20 - 30 مترًا تضخ مياه البحر قبالة "الجدار" لإغراق من يحاول حفر نفق. إن قضية الجدار- في تصوري- ما هي إلا إحدى مشاهد تلك المسرحية العبثية إذ لا يمكن أن تحفر كل هذه الأنفاق، عبر كل هذه السنين، بكل هذا الحجم، إلا بعلم وإذن حكومة البلد الذي سمح بها هكذا، إذن كان هناك سبب إنساني أو سياسي أو قومي أو عولمي للسماح بهذا الذي حدث طوال السنوات الماضية عبر هذه الأنفاق..فهل اختفى السبب فجأة؟! ولماذا! وماذا عن إسرائيل؟ ألم تكن تعلم بوجود هذه الأنفاق؟ ولماذا سكتت! والأغرب من هذا وذاك أن القضية الفلسطينية مؤخرًا تم اختصارها في غزة وابتعدت الأنظار عن الضفة الغربية! هل لأن المقاومة الحقيقية المتبقية"حماس" تحكم غزة؟ ام أنه توجد أنفاق أيضا بين الأردن والضفة غير أنه لم يتم اكتشافها بعد!
ومن المؤسف أنني عجزت عن فهم البيان الرسمي الصادر عن مجمع البحوث الإسلامية الذي انتقد الأصوات التي تعارض بناء الجدار، قائلا: "إن الذين يعارضون بناء الجدار يخالفون بذلك ما أمرت به الشريعة الاسلامية". وتخيلوا أحبتي القراء، في نفس اليوم الذي طالعت فيه البيان، التقيت بعدد من الأصدقاء لي هنا في إيطاليا من بينهم كتّاب وإعلاميين ايطاليين، وسألوني والدهشة تملأ عيونهم:"هل انضمت مصر لإسرائيل في الحرب ضد فلسطين؟"وشعرب بمهانة وللحظة انكفأت عيني في الأرض رغم أن هامة مصر في رأسي تناطح السحاب!
رحم الله عبد الناصر، ورحم الهواري بومدين؛ فلو كان حيا ما كان لبوتفليقة أن يطلق تدخله السريع لقمع واعتقال واختطاف خمسة عشر ألفا من النشطاء الأمازيغيين الذين خرجوا للاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة وتجديد مطالبتهم باستقلال منطقة القبائل عن الجزائر، وإن تفهمنا رفضنا بوتفليقة لفكرة انفصال القبائل عن السلطة المركزية فكيف لنا أن نتفهم رفضه للانفصال في بلاد الاخرين! وملايين الدنانير التي صرفها من أجل قضية أميناتو شاهدة على ذلك، مع أنه كان أولى به صرف هذه الأموال على بناء مستشفيات تليق بعائدات الجزائر النفطية، لأنه من المخجل أن تحقق الجزائر 19.9 مليار دولار عام 2009 من عائدات الغاز وفي الوقت ذاته يرسل المناضلة جميلة بوحيرد إلى باريس للعلاج لأن الجزائر لا تملك مستشفى مجهزة بالمعدات الطبية لعلاج الكثير من الأمراض.
لماذا انتقلت من الحديث على مصر إلى الحديث عن الجزائر تحديدا؟! من المؤكد، ليس من باب تعرية مساوئ الآخر أيضا وإنما لأن «الشعبان المصرى والجزائرى لهما خصوصيات، لأنهما يعيشان فى ظل نظم سياسية تحكم بقانون الطوارئ، ولا توجد حرية تعبير، فى ظل تدنى الخدمات الصحية والتعليمية، وغياب تداول السلطة، مما أدى إلى حالة من الكبت والإحباط الشديدين جعلا الشعبين يجدان متنفسا للسعادة فى كرة القدم التى تتميز بصفات لا تتوافر لدى الدولتين سياسيا» وقد صرح بذلك الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية العالمية للطب النفسى.
و أضاف:«مما شجع الجزائريين على الاعتداء على المصريين بالسودان أنهم يعرفون أن الشعب المصرى أصبح ملطشة، لأنه جرت العادة ألا تحمى الحكومة المصرية مواطنيها بالدول العربية، وهو ما يجعلهم يدركون أنه لن يحدث رد فعل».
وأنا أتفق مع الدكتور، ولا أتفق مع الشوفينية التي تعامل بها الإعلام السلطوي-28 قناة تليفزيونية حكومية وقنوات اخرى مملوكة لمليارديرات النهب العام شاركت في التعبئة أيضا- بل انجرفت لها النخب الثقافية وانساقت نحو الجماهير بدل أن ينساق الجماهير إليها! فجرى استخدام غير مبرر لمخزون الأغاني الوطنية التي ظهرت في حرب 1973 وبدا السادة المسؤولون كأنهم جنرالات حرب- فطوال الوقت يذكر الجزائريين بأننا أرسلنا لهم مدرسين ولا يذكر البشير الإبراهيمي، والشيخ محمد الخضر حسين الذي تولى مشيخة الأزهر(ولد في تونس الخضراء لكن أصول أسرته تعود إلى البيت العمري في بلدة (طولقة) جنوب الجزائر ذات الفريق الأخضر)، وابن مُعط الزواوي، ومئات غيرهم من رواد العلم والثقافة الجزائريين. يذكر أننا ساندناهم فى حرب التحرير، ولا يذكر أنهم ساعدونا فى حرب أكتوبر وأن الجزائر ثانى دولة عربية توجه دعم لمصر من أجل محاربة الكيان الصهوينى، بالإضافة لوضع مبلغ 200 مليون دولار لدى لاتحاد السوفيتى مقسمة ما بين مصر وسوريا بالنصف لحساب شراء الأسحلة، وبعد تحرير الجزائر من الاستعمار الغاشم استقبلت الجزائر خلال فترة الستينات والسبعينات ما يقرب من 180 ألف مصرى عملوا بالجزائر ما بين مدرسين وأطباء ومهندسين وعمال( معلومات مؤرخة فى مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان القوات المسلحة المصرية عن حرب اكتوبر 1973). إعلام يذكر أننا الفراعنة وينسى أن تاريخ الأمازيع ارتبط بتاريخ الفراعنة بشكل كبير بل إن جيوش الفراعنة كان يوجد بها العديد من العسكر والقادة الأمازيغ وهذا يدل على الوحدة بين شعوب المغرب العربى ومصر. يذكر أنهم مرتزقة ونموذج للإرهاب، ولا يذكر أيمن الظواهري مثلا!
إنّ المن على الآخرين ورميهم بألفاظ نابية ما هو إلا بؤس ثقافي يجعل العالم والجاهل في الفتنة سواء! إضافة إلى أن الإساءة لا ينبغي وان تٌقابل بالإساءة.
لا أنكر أنني بكيت عند حرقهم لعلم مصر وعند وصفهم لنا باليهود(رغم أنه لا يوجد شعب في الدنيا يؤخذ بجريرة حكومته وما تعقده من اتفاقيات وعلاقات)، وعلى ما حدث لنا من اعتداء نفسي وجسدي من بعض الجزائريين ولكني تأملت قوله تعالى:"وإن تعفو أقرب للتقوى"، وقول حبيبنا النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك". فالتسامح نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية ، إننا جميعًا من نتاج الضعف ، كلنا هشّون وميالون للخطأ، ولذا دعونا نسامح بعضنا البعض ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل-هكذا يعرف الفيلسوف (فوليتر) التسامح ويدعونا إليه .
البارحة تأملت علم الجزائر ووجدت:الأبيض لحب السلام، الأحمر لدم الشهداء، أما الأخضر فرمز الإسلام، الهلال والنّجمة من العهد العثماني. ومصر لديها الأبيض، وفي حروب تحرير واصلة من وهران إلى سيناء امتزجت الدماء الحمراء للشهداء من كلا البلدين. فما رأيكم لو نفتح آفاق التسامح داخل قلوبنا؟ تصالح وستجد الآخر يمد لك يده بالحب دائما.
ولنتذكر أن كرة القدم هواية، ولا ينبغي أن تتحول لهوية كي لا نقع في الهاوية التي تحبك خيوطها قوى الاستسلام والتبعية للهيمنة الاستعمارية-الصهيونية الرامية لتسميم العلاقات وذرع الفتن ونشر العداوة بين الشعب المصري وأشقائه في الجزائر(بعد محاولات سابقة نفذتها نفس القوي لتحقيق نفس الأهداف تجاه الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني وغيرهما من الشعوب العربية)، بل تعتبر الرياضة رسالة سلام للعالم ووسيلة للتواصل بين الشعوب والأمم، لكننا حولناها إلى وسيلة للبغضاء والتناحر، وليس ما يحدث بين أنديتنا المحلية ببعيد عنا، فالعصبية تمنع الكثير من الجماهير من الاستمتاع بالرياضة وهو الأساس في المنافسات الرياضية، وتحولهم إلى مجموعة دمى كل همها سب ولعن المنافسين وإن اقتضى الأمر سب إدارة أنديتها ومدربيها ولاعبيها.هذه الجماهير التي تعتقد أن كل صافرة من الحكم هي خطأ غير صحيح إذا كان ضدها، وكل سقوط للاعبيها هو خطأ صحيح لصالحها، وهي تعتقد أنها محقة على الإطلاق.
أما أستغلال كرة القدم سياسيا، وانتخابيا، بل ودينيا "فريق الساجدين" أو تعصبا شوفينيا "فريق الفراعنة" فلم يمنعني من أن أحلم بأحلام خضراء وأفكر في آمال مشرقة! لم لا يكون ذلك الفوز "بداية" إعادة ثقة بالفرد المصرى مدربا، فلاعبا، ثم بالجماعة المصرية فريقاً وجمهورًا؟ لم لا تكون بداية الثقة بالمستقبل؟ لم لا تكون بداية التعلم من أن بعد كل هزيمة نصر محتمل؟ لم لا تكون بداية الحلم الأخضر وبداية كل أحلامنا الملونة بلون الوطن الطيب؟ سنزرع أرض مصر بالخيرات وسنزرع الأمل في عقولنا!
يجدر بي أن أذكر أن تأييدي لأفكار عبد الناصر المذكورة في هذا المقال لا يعني أنني أتفق معه في كل توجهاته، كما لا يعني أنني أختلف تماما مع أفكار السادات فعام ميلاده(18)مكتوب على اليد اليمنى لجميع البشر وعلى اليسرى عام وفاته(81) رحمة الله عليه، أو أنني لا أحترم سيادة الرئيس محمد حسني مبارك؛ ولم أقل ذلك من باب الخوف فأنا لا أخاف من ذي سلطان- ما دام سلطان الله لا يزول- بل، أشعر بأننا في هذا الكوكب أخوة في الإنسانية وأول مبادئ الانسانية هي احترام الآخر مهما بلغت درجة الاختلاف في الرأي، علاوة على أن أسلوب توجيه الحوار للرئيس يجب أن يليق بمكانته (وهو ما لا يرضيني في أسلوب الهمجية اللفظية التي تبناها بعض صحف المعارضة). وكذلك لم أقل كلامًا طيبًا في حق الشعب لأن لي مآرب أخرى (مقعد في برلمان وانتخابات وخلافه) فأنا مقيمة خارج مصر حاليا من أجل الارتقاء بمستواي العلمي، كما أن والداي يحملان الجنسية الايطالية (بالإضافة إلى المصرية) وكان من السهل أن أتناسى قضايا وطني المصري العربي وأصمت في مقابل أن أحيا حياة هادئة البال غير أنني لم أفعل ولن أفعل!
في النهاية، أتمنى من أعماق قلبي أن تجد تساؤلاتنا الودية مكانا في قلب الرئيس لأننا في حالة من الحيرة لتفسير توجهات الحكومية المصرية في معظم المجالات! بعد إذنك، نتمنى أن تخرج لنا في خطاب مفتوح (بلا أوراق معدة مسبقا) تحدث معنا بالفطرة ومن قلبك لقلوبنا، أو فليكن هناك برنامج تليفزيوني ولو مرة كل شهر"على الهواء مباشرة" يتصل فيه المواطن ويتحدث مباشرة عن مشكلته وأوجاعه، وتتكرم سيادتكم بالإجابة عليه، أو فليكن هناك لقاء بيني وبين فخامتك-بعد عودتك بالسلامة من الرحلة العلاجية في ألمانيا- أحمل اليك تساؤلاتنا وقضايانا فنحن نحتاج أن نفهم توجهات سيادتكم.
أحلم وأعبر عن حلمي ببساطة ولا أعرف إن كان ذلك من حقي أم لا؟!
----
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.