قال موقع هيئة الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله" إنَّ الحكم على عاملين بمؤسسة ألمانية بالسجن في مصر فيما يُعرف إعلاميًّا بقضية "التمويل الأجنبي" وحّد كل الأحزاب والكيانات السياسية في ألمانيا ضد النخبة الحاكمة في مصر. وأشارت الإذاعة الألمانية إلى أن ممثلي الحكومة الألمانية والبرلمان اتحدوا من أجل رفض حاسم للأحكام بالسجن التي أصدرتها محكمة جنايات القاهرة بحق اثنين من العاملين بمؤسسة كونراد أديناور الألمانية. فعلى الصعيد الرسمي، قال المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إنها تشعر باستياء كبير، فيما أكد بيان صادر عن مكتبها، أن قرار المحكمة المصرية سيؤدي لتوتر العلاقات المصرية – الألمانية. ومن جانبه، أعرب وزير الخارجية الألماني، غيدو فسترفيلي، عن استيائه وقلقه الشديد من "العقوبات القاسية" التي أصدرتها المحكمة بحق العاملين في المؤسسة الألمانية، واتهم في بيان له المحكمة بإضعاف سيادة القانون في مصر، مؤكدًا أن وزارته ستعمل مع مؤسسة كونراد أديناور لرفع العقوبة عن موظفيها. بدوره، طالب عضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني، بيتر جاوفيلير، بأن تتحمل مصر عواقب هذا الحكم، وقال: "يجب أن نتعهد بعكس هذا الحكم، وحتى يتحقق هذا لا يمكن أن تكون هناك المزيد من العلاقات دبلوماسية مع هذا البلد". واعتبر جاوفيلير أن الحكم صادر من النخبة الحاكمة في مصر وليس الشعب المصري، مشيرًا إلى أن ألمانيا قد تقطع مساعداتها لمصر. وأضاف "لن ندفع لهم بعد الآن إذا كان المواطنون الذين ذهبوا هناك للمساعدة مهددين بالسجن". ونقلت الإذاعى الألمانية عن غونتر ماير، رئيس مركز أبحاث العالم العربي في جامعة ماينز الألمانية، قوله إنه من وجهة نظر قانونية بحته فلا يوجد شىء خاطئ بالحكم، وأشار ماير إلى أن المحكمة استندت في حكمها على قانون أصدر في فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك يلزم المنظمات غير الحكومية بالتسجيل لدى السلطات، ومؤسسة كونراد أديناور لم تقم بذلك لأنه حتى في ظل حكم مبارك كان من النادر أن يتم تطبيق هذا القانون. غير أن ماير يرى أنه بغض النظر عن البنود القانونية الرسمية، فإن الحكم يحمل إشارة سياسية واضحة من جانب القيادة المصرية، معتبرًا أنها "محاولة لمنع الآخرين من التدخل من الخارج في أمور تتعلق بالسياسة وحقوق الإنسان". وأضاف قائلاً إن الحكم "علاوة على ذلك يحظى بشعبية ويتفق مع المشاعر المعادية لأمريكا وللغرب في مصر". وأشار ماير إلى أن الأبعاد السياسية للحكم لا تقتصر فقط على ألمانيا، ولكنها تثير مخاوف الولاياتالمتحدة أيضاً. وأوضح أنه "قبل صدور الحكم كان من غير الواضح ما إذا كان استخدام مثل هذا الإجراء ضد منظمات حقوق الإنسان الأمريكية قد يؤثر على المساعدات التي تقدمها الولاياتالمتحدة لمصر". أما كريستيان أكراينر، عضو مركز الأبحاث التابع للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية، فيرى أن الحكم لا يبعث فقط إشارات للخارج، ولكنها يحمل أيضاً إشارات حول السياسة الداخلية، معتبرًا أن الحكم يوضح أنه ليس فقط المجلس العسكري الذي أدار البلاد بعد تنحي مبارك لم يكن يأبه كثيرًا للمشاركة المجتمعية، ولكن الحكومة الإسلامية التي تدير البلاد حاليًا لا تهتم لذلك أيضًا. وقال: "المجتمع المدني هو في العادة أداة معارضة، لذلك فإن كلا الفريقين كان يريد تعزيز سلطته من خلال منع المجتمع من انتقاده علنًا". ويرى أكراينر أن الحكم يعكس أيضاً ميل بعض أجزاء المجتمع لمنع التدخل الخارجي في شئون البلاد، مشيرًا إلى أن الرفض لا يقتصر على الحكومة فقط ولكن المعارضة أيضًا والعديد من مؤسسات المجتمع المدني ترفض التدخل الغربي، لأنهم إذا لم يفعلوا ذلك فإنهم سيخسرون الناخبين. وأوضح أكراينر أن الحكم يجعل من الصعب على المؤسسات السياسية وممثلي المجتمع المدني العمل بفعالية ويجبرها على البقاء على الحياد، لتصبح مجرد منبر لتبادل الأفكار. واختتمت الإذاعة تقريرها قائلة إن الكلمة الأخيرة لم تصدر بعد في هذه القضية، وأن محاكم الاستئناف كثيرًا ما ردت أحكام ذات دوافع سياسية. وأشارت إلى تهديدات عضو البرلمان الألماني، بيتر جاوفيلير، بأنه لحين حدوث ذلك فإنه من المحتمل اتخاذ إجراءات اقتصادية وسياسية ضد مصر، قائلاً إنه "لا يمكن أن يستمر شخص طبيعي في الاستثمار في شىء إذا كان يخشى أن يتم حبس مواطنيه".