يدير الرئيس محمد مرسي أزمات وكوارث ورثها بإرادته عن النظام السابق. كل الأزمات لم تبدأ في عهده لكنه رضي بها، أعلاها سد إثيوبيا وأقلها تلال القمة. يحمل مرسي على كاهله أوزارًا من حكم الفرد لأنظمة سابقة بمافيها فترة المجلس العسكري التي أضرت بالثورة حيث لم ينجز شيئًا من أهدافها طوال عام ونصف العام، ولم يدر المرحلة الانتقالية كما يجب، وترك نفسه لمستشاري السوء، وتلاعبت به القوى السياسية، وكان في نفسه هوى من السلطة، وأتاح الفرصة لتمكين الثورة المضادة وبناء قواعدها التي شبت عن الطوق الآن، وهي تحارب التغيير بشراسة متدثرة بعباءة صنعتها المعارضة اسمها خطر الإخوان على مصر، وضرورة إسقاط حكمهم، وهو حكم منتخب. أتاح المجلس العسكري، ومن بعده المعارضة، وكذلك السلطة الفرصة لكل فلول النظام السابق، وكل فلول الخارج للتوحد لإبقاء مصر في حالة ارتباك شامل، وعدم التحرك للأمام حتى وإن ذهبت مع الريح، وهم يريدون ألا تقوم للديمقراطية قائمة في مصر لكي لا تصير نموذجًا مشعًا في المنطقة لتعود كما كانت دولة حكم الفرد لا تعرف طريقها، وتظل تدور حول نفسها. لكن مصر لن تذهب مع الريح، لأنها ليست جمهورية موز، ولأن شعبها صار واعيًا بمصالحه وبمستقبله ولن يفرط في حريته وفرض إرادته، ولأنه شعب مكافح فيه مخلصون كثيرون، وفيه حامدون شاكرون على أقل القليل لديهم، وأعظم ما يملك هو الصبر، ومع كل مصاعب الحياة إلا أنه لم يقم بما يسمى ثورة الجياع التي يخيفوننا بها، وهي لن تحدث إن شاء الله، ورغم سلبيات بعض المصريين إلا أنهم شعب راق لديه إيمان وأخلاق، وما يحدث من تدن وانفلات سلوكي فإن مصدره فئات محدودة خارجة عن القانون موجود أضعافها في أرقى الدول رفاهية، وكل أشكال السلب والنهب والتخريب ليست من فعل مواطنين جائعين، إنما من عمل بلطجية مستأجرين لممارسة الترويع كجزء من أجندة تشويه الثورة، وإرباك النظام الحاكم وإعلان فشله. مرسي ليس ملاكًا، وكذلك حزبه وجماعته، فهم يخطئون وبعض أخطائهم كبيرة، والمسئولية التي يتحملونها أكبر من قدراتهم واستعداداتهم، وأتمنى أن يكون قد تأكد لديهم أن الحكم ليس نزهة - هذا لا يعني أن نظام مبارك كان بارعًا- لكنْ منافسو مرسي ليسوا أفضل منه، فهم لا يملكون غير الكلام، ولم يقدم أحدهم لليوم ما يفيد أنه كان سيعتبر رئيسًا فذًا غير مسبوق لمصر. ما هو المدهش الذي يتحفنا به البرادعي المنسحب دومًا غير تويتر، وكذلك عمرو موسى وحمدين صباحي، وأبو الفتوح الذي لا نعرف لماذا يظهر ولماذا يختفي، وحزب الوفد الذي ينتقل من تخبط إلى تخبط؟ الحقيقة أن مصر وقعت في صراع بين أحزاب وجماعات وساسة كانوا قد نظموا أنفسهم على كونهم معارضة مستأنسة تحت الطلب في خدمة النظام السابق ثم فوجئوا بخروج سريع لمبارك وهم فاقدون للتمرين والخبرة على الحكم لذلك ما نراه اليوم هو صراع العاجزين، فكل طرف يرى نفسه الأحق بالسلطة، لأن كل واحد يخدع نفسه بأنه كان المعارض الحقيقي، وأنه من هيأ الأرض للثورة، ومن فجرها، ومن أوصلها لخط النهاية، الثورة فاجأت الجميع حتى من خرجوا يوم 25 يناير لم يكن يخطر ببال أكثرهم تفاؤلًا تفجر ثورة، وإجبار مبارك على الرحيل، فما حصل لحظة تاريخية قدرية تملكت فيها الشجاعة عدة ألوف فسحبوا آخرين وراءهم من دون تصنيف سياسي وواجهوا نظامًا كان من داخله مصابًا بشيخوخة لكن يبدو بآلته الأمنية مخيفًا ومع أول اختبار جدي لتلك الآلة مع شجعان قرروا تحديه فإنه سقط بشكل مريع فانفرطت سيطرته، والحسم كان في دخول الجيش بكل قوة ليمد هؤلاء الشجعان بأسباب الحياة والاستمرار لتتحول المظاهرة إلى ثورة وهذا يخفف من أخطائه في الفترة الانتقالية. إذا كان الإخوان عاجزين عن الحكم الرشيد فإن المعارضين فاشلون في المعارضة، ويكفي أنهم رد فعل باهت للعجز الإخواني، وتهرب كبار المعارضين من اجتماعين متعلقين بقضيتين وطنيتين هما: خطف الجنود، وسد إثيوبيا أمر مؤسف حيث فضلوا مواصلة الصراعات الشخصية الصغيرة على المصلحة الوطنية العليا، والإعلام الموجه الممول خارجيًا يتفوق في الهدم المنظم لأركان الدولة وإشاعة اليأس تحت عنوان مواجهة تجبر الإخوان. الساحة تخلوا الآن من حزب، أو شخص يمكن الوثوق فيه واعتباره المنقذ على غرار "لي كوان يو" في سنغافورة، و"مهاتير" في ماليزيا، و"أردوغان" في تركيا، و"لولا دا سليفا" في البرازيل، و"مانديلا" في جنوب إفريقيا، و"محمد بن راشد" في دبي، و"دينج شياو بنج" في الصين، وتخلوا أيضًا من البيئة السياسية الديمقراطية المتصالحة كما في الهند وكوريا الجنوبية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.