بعيدًا عن أي تفاصيل وشروح وتفسيرات وغضب أو تأييد، فقد كان حكم المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الشورى والجمعية التأسيسية زلزالًا سياسيًا جديدًا يعصف بالوطن ويثير الكثير من الغبار الذي عتّم رؤية مستقبل الوطن وغيّب اليقين بأي شيء أو خطوة يمكن أن نبني عليها البلاد، وذلك بسبب الغطرسة السياسية التي يمارس بها الحاكم وجماعته إدارة شؤون الدولة من جانب والعبث والتشنج المفرط الذي تمارس به المعارضة احتجاجها على تلك الإدارة من جانب آخر، فكلاهما، السلطة والمعارضة، يجنيان على الوطن ويعرضان مستقبله للضياع، وأنا أكتب هذه السطور وقد بدأت هوجة التفسيرات والتحليلات لهذا الحكم تتداعى وتنتشر وتتفشى في المواقع الإلكترونية للصحف والقنوات الفضائية، وتسمع ألف رأي وألف نتيجة ومائة ألف تفسير للحكم وأثره، وأعتقد أن الليل سيشهد المزيد من الارتباك والتشتت، وأعرف أن فرق إعداد البرامج تحشد الآن ضيوفها واتصالاتها المقررة لهذا المساء، كل حسب وجهته وحسب الرأي الذي يحب سماعه والتفسير الذي تطيب له نفسه، لكن القدر المتيقن مما قرأته في الحكم وحيثياته التفصيلية أن مجلس الشورى الحالي باطل دستوريًا، وأنه قام على ظلم وانحراف ولم يتح فرصًا متساوية ومتكافئة للمواطنين خاصة المستقلين عن الأحزاب، ولكن المحكمة رأت أنه بموجب الدستور الجديد فإن المجلس يظل قائمًا حتى انعقاد أول جلسة للبرلمان المنتخب الجديد، ففي تلك اللحظة يكون منعدمًا وجوده، أو حسب النص الحرفي لحيثيات المحكمة (بأن القضاء بعدم دستورية النصوص المطعون فيها يستتبع بطلان المجلس الذي انتخب على أساسها منذ تكوينه)، وهنا يطرح أكثر من تساؤل عن دور مجلس الشورى خلال هذه الفترة وصلاحيته للتشريع، ومدى اتساع صلاحياته التشريعية وهو مجلس باطل في أساسه، ويدرك كل من فيه أنه باطل وقام على انحراف قانوني وظلم وغياب لتكافؤ الفرص للمرشحين، وهو ما يجعل المجلس في حرج بالغ عندما يفكر في التوسع أو التوحش التشريعي على النحو الذي كان يحدث خلال الأشهر الماضية، ويصبح المجلس ملزمًا أخلاقيًا ووطنيًا بأن يقلص خطط التشريع في أضيق حدود ممكنة، وفي حدود حالة الاضطرار كما تعهد الدكتور مرسي من قبل، مثل أكل الميتة وشرب الخمر، ولتتوقف حالة الإسهال التشريعي التي تجري حاليًا بصورة تشعرك أنك أمام حالة اختطاف للوطن واندفاع مهووس لترتيب كل شيء على مقاس حزبي خاص. الجانب الآخر في حكم الدستورية وهو المتعلق ببطلان الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور، وأظن أن المحكمة كانت واضحة في حيثيات حكمها بأن بطلان قانون الجمعية لا يؤثر في صحة الدستور الذي وضعته باعتبار أنه تم اعتماده بإرادة شعبية حرة، وأن الشعب هو مصدر السلطات، ولكن يبقى هذا الحكم من الناحية السياسية والأخلاقية يمثل إهانة لمن شكلوا الجمعية وتعجلوا الأمر، وإدانة لهم بالاستهتار والاندفاع إلى أعمال خاطئة دستوريًا، كما يمثل دعمًا معنويًا وسياسيًا للمعسكر الآخر الذي راهن على بطلان الجمعية التأسيسية، ولولا حصار المحكمة قبل ذلك لمنعها من أداء رسالتها لكان الدستور الحالي غير موجود وبالتالي لم يكن هناك شيء اسمه مجلس الشورى بتشكيله الحالي. أرجو أن يكون الدرس كافيًا لكي يعيد المتعجرفون في السلطة حساباتهم، وأن يدركوا أنهم ورطوا البلاد في فوضى تشريعية وسياسية لتعاليهم عن التوافق السياسي واستعجالهم اختطاف الأمور رغمًا عن أنف الجميع، وبتحدٍ لكل مؤسسات الدولة، كما أتمنى أن يكون بجوار الرئيس مرسي الآن عقلاء ينصحونه بضرورة الإسراع بإنجاز قانون الانتخابات والالتزام الكامل بحكم الدستورية فيه حتى يتم تمرير القانون في أسرع وقت لإنجاز الانتخابات وميلاد السلطة التشريعية "النظيفة" المعبرة عن إرادة الشعب المصري في مجلس النواب الجديد، لأن هذا وحده هو الذي يفكك الاحتقانات ويقوي نظام مرسي وشرعيته ويعيد له الاعتبار في الداخل والخارج، أما الملاوعة ونأخذ بشيء ونترك أشياء من حكم الدستورية لكي تعيده مرة أخرى، ونسوف ونؤجل ونهرب من الانتخابات لأننا سنخسرها، فهذا سيؤدي في النهاية إلى الفشل الكامل لنظام الرئيس ويفتح أبواب الدولة بالكامل على شر مستطير. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.