هل تريد أن تكون عبقرياً أو نابغة أو قائداً بطلاً بلا عناء أو مشقة؟! لا تتعجب لو أخبرتك أن هذا يمكن حدوثه ، وإذا أردت معرفة السر لتسلك الخطوات..فما عليك إلا أمرٌ يسيرٌ جداً، وهو أن تضع سيجارة في فمك ، وتبدأ في التدخين، فالسيجارة عند الكثيرين هي رمز الرجولة و البطولة والنبوغ والعبقرية ..حتى أن إعلامنا الميمون، ساهم في إيجاد هذا التصور الأخرق في عقول المشاهدين والناشئة ..فيصور المدخن بأنه أسطورة لا تهزم، حتى ترسخت فكرة التدخين من شكل وطريقة وهيئة البطل في الأفلام والمسلسلات ، وهو يشعل سيجارته ويستعد لقتال مرير أو مقابلة عدوه، أو في مواجهة أي مشكلة تقابله، ليؤصلوا للوهم الكبير بأن السيجارة هي الحل لزوال المشكلات ، وجلب الحلول والأفكار الخارقة المعجزة المبهرة ، والتخطيط الحاذق السليم ..وإذا أردت أن تضحك لحد السخرية والتهكم، فما عليك إلا أن تشاهد الأفلام المصرية لترى ما نشير إليه ..وكم يأسف المخرجون المصريون وهم يصورون الأفلام والمسلسلات التاريخية، لا لشيء إلا لأن السيجارة لا مكان لها في أحداثها، ولو كان بمقدورهم أن يجعلوا البطل يدخن لفعلوا، ولكن للأسف..لا ينفع ذلك، لأنه لم يكن في زمانه تدخين ولا سجائر..وفي السينما المصرية تحديداً في فلمي( ناصر56 ) و فيلم (يوم الكرامة) ، تشاهد العجب العجاب، وتضرب كفاً على كف من هذا الخبل أو العبط في الإفراط من التدخين، ومحاولة رسم وطبع التدخين بأنه طريق العبقرية والفهلوة والنبوغ والعبقرية والتخطيط المعجز والانتصار والإرداة..ففي الفيلم الأول لا تفارق السيجارة فم الفنان (أحمد ذكي) الذي جسد شخص (جمال عبد الناصر) حينما يختلي بنفسه أو يخطط أو يجتمع بوزرائه لسبك وحبك عملية وطنية ، أو قرار مصيري تاريخي، فالتدخين هو أسرع الطرق لتوصيل الصورة المرجوة من شخصية ناصر، مع أننا لم نعرف عنه التدخين، ولم نشاهده وهو يدخن..أما فيلم (يوم الكرام) فوصل موضوع السيجارة فيه لحد بايخ وشايخ وملوش طعم، فلا أعرف كيف استساغت عقلية المخرج هذا الأسلوب الأهبل في الإخراج ، فما أن ينتهي البطل من سيجارة، حتى يشعل أخرى في كل مشهد متعلق بالتخطيط والضرب والتجهيز والإعداد، فقبل أن ينطلق الصاروخ، لابد أن تنطلق السيجارة أولاً من فم البطل ليعرف المشاهد أن السيجارة أول طرق النصر، وسمة ملحة في حماة الأوطان ورجالها. ألا إنها أفلام وأفكار تثير السخرية قبل أن تثير إحساسنا بالعظمة. أما شبابنا الصاعد فإنه يسير محاكياً بلا وعي، لأنه يريد أن يكون بطلاً وفذاً وسوبرمان لمصر، مثل الفنان (أحمد عز) في فيلم (يوم الكرامة) ولكن ماذا يفعل إنه لا يملك لانشاً يمتطيه على الماء، ولا يستطيع أن يطلق منه صاروخاً.. ولكنه لا يشعر بالعجز في المحاكاة، لأنه يمكن أن يملك شيئاً أخر يملكه أحمد عز وهو السيجارة..فلتكن هذه.. وهكذا نسوق للأوهام والأخطاء والسلبيات المميتة في حياتنا ..عن طريق إعلام لا يعنيه بناء الأجيال وتربية الشباب على الجد والخلق، حتى يقود الأمة خير قيادة وبغير السيجارة.! وهو ما فطن إليه الفرنسيون.. ففي جريدة الشرق الأوسط جاء هذا الخبر تحت عنوان" نائبان فرنسيان يطالبان بقانون يمنع التدخين في الروايات بحجة أن السيجارة في أيدي أبطالها تغري القراء بتقليدهم.. يسعى نائبان فرنسيان إلى توسيع دائرة قانون منع التدخين في الأماكن العامة في فرنسا ليشمل أحداث الروايات وينتزع السجائر من بين أنامل أبطالها. وعكف كل من ديفيد فيشر وبرنار دوبيجياك على صياغة مقترح يطالب، لا بمنع صور المدخنين على الأغلفة، بل بمنع التطرق إلى التدخين في سياق النص المطبوع. يأتي المسعى في وقت تتصدر فيه رواية «لا شيء يقف بوجه الليل» للكاتبة دلفين دوفيغان قوائم المبيعات الأعلى في المكتبات. ويحمل غلاف الرواية صورة امرأة وبيدها سيجارة ينتشر دخانها في الجو.. ومن الأمثلة التي يقدمها صاحبا المشروع المقترح، الجاذبية التي تميز بها غليون شارلوك هولمز في روايات الكاتب الاسكوتلندي السير آرثر كونان دويل، وامتداح التبغ في مسرحية «دون جوان» للفرنسي موليير، ومشهد البطل الذي يشعر بالمتعة وهو يلف سجائره في رواية الروسي سولجنستين «يوم في حياة إيفان دينيسوفياتش»، هذا مع التذكير بأن التدخين يتسبب في وفاة 60 ألف شخص في فرنسا كل عام. فما أحوجنا أن يُغير إعلامنا نظرته للسيجارة، وأن يصور الطريق للعبقرية، بالجد والنشاط والعمل والإجتهاد . فالسيجارة ليست طريقاً للنصر و النبوغ، وليست من علائم الرجولة والذكورة، وإنما هي شارة الموت والطريق إليه.