إنه لأمر محزن ما يمر به بلدى من مخططات إقليمية ودولية لحصارها والتضييق عليها وعلى أهلها لتحجيمها وإخضاعها لتنفذ ما هو مطلوب منها لصالح تلك القوى، وبالتالى لا تعد لها قائمة يخشى منها بعد تحويلها إلى مجرد كيان أعزل يبحث عن قوت أبنائه أولاً بأول وينفذ ما يطلب منه وإلا حرم من هذا القوت أو جزء منه، حتى يعود إلى تنفيذ المراد لتلك القوى الآخذة برقاب العباد، فكيف لقلب يحب هذا البلد ألا يحزن، وكيف لعين كان غذاؤها سفوح وتلال خضراء على مد البصر ألا تدمع، وهى ترى هذا الهوان الذى وجدنا نفسنا فيه بعد اعتزام إثيوبيا إحدى دول قارة إفريقيا التى غبنا عنها وأهملناها أيام المخلوع وقبله، فصارت هى الحربة التى تخترق ظهورنا بعد أن كنا أيام عبد الناصر نملك اليد العليا فى إفريقيا كلها إلى الدرجة التى كانت إفريقيا سوقًا حصريًا للمنتجات المصرية، إلى أن أفتى الجاهلون علينا بالاكتفاء والانكفاء على الذات ورمى إفريقيا وراءنا، حيث لا عائد من ورائها، نعم بتلك النظرة الضيقة السطحية نظرنا لإفريقيا ودولها أنها دول فقيرة لا حاجة لنا بها، حيث لا عائد منها بالرغم من أن تلك الدول هى عمق إستراتيجى لمصر، وكروت تضاف إلى قوتها كقوة إقليمية يصعب اختراق المنطقة أو القارة الإفريقية إلا من خلال التفاهم والتنسيق معها، فإذا بنا بكل رعونة أو قل إنه الجهل بل وربما الخيانة دفعتنا إلى أن نتعامى عن حقيقة دورنا وبعدنا الإقليمى تحت مقولة إنها دول فقيرة لا عائد من ورائها، فأى عقول هذه؟ إذا نظرنا إلى ما تفعله دولة كإثيوبيا فى موضوع تحويل مجرى النيل الأزرق دون أى تنسيق مع دول المصب، أى مصر والسودان، فلابد أن نشعر أو لا بد أن نفيق من هذا الغى الذى سقطنا فيه كلنا، وجعل دولة مثل إثيوبيا تنظر وتتصرف تجاهنا بمثل هذا القدر من الاستهتار، لأن أى متابع لأخبار المحروسة، وخاصة من قنواتها الإعلامية لابد أن يشعر أنه أمام أمة تنتحر وتناسى أبنائها أنهم فى سفينة واحدة سيعيشون أو يموتون معًا، فانبرى كل منهم خرقًا فى جانبه فى السفينة سعيًا إلى إغراق الآخر بسطحية تحسد عليها مصر ونخبتها الحالية، فبعد أن كانت مصر هى منارة الحرية فى إفريقيا، وبعدما كانت البعثات المصرية هى المرادف لتطوير التعليم والصحة بل والتسليح بعد أن كانت مصر الأزهر تنشر الإسلام والسلام فى ربوع إفريقيا حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من هوان نتيجة أسلوب نخبتنا الهمجى فى التعامل مع الآخر والتفنن فى الرفض والإهانة والاستصغار دون تقديم أى بدائل لما يعترض عليه، فأوصلنا هذا الهوان والاستهتار إلى أن ننسى أن هناك سقفًا أخلاقيًا وسقفًا وطنيًا حتى للخلاف قد أختلف مع رئيس الجمهورية مثلاً، وهذا فعلاً ما كان يحدث ورأيته ومارسته بنفسى، كنا ننتقد مبارك بقسوة ولكن إذا انبرى أحد من غير المصريين إلى التطاول متواريًا بستار النقد كنا نأكله أكلاً وتتحول الجلسة إلى محاكمة أخلاقية، فبرغم عدم رضائنا لوضع معين فى بلدنا كانت تأكلنا الغيرة والغضب إذا استغل ذلك من هو ليس منا، فماذا حدث اليوم؟ وهل هذه هى الحرية التى قامت الثورة من أجلها؟ هل هى حرية السباب وحرية إهمال الآخر وإقصائه؟ فلنتدبر ولننظر بماذا عاد علينا هذا الأسلوب فى ممارسة الحرية من هوان فى نظر الآخرين، وهو ما تجلى فى إقدام دولة كإثيوبيا فى ممارسة تحويل مجرى النيل دون أى تنسيق معنا، فإذا قارنّا ذلك بنفس الموقف أواخر عهد السادات، رحمه الله، حين هدد بالتدخل العسكرى ما أجبر دول مجرى النيل للضغط على إثيوبيا للتنسيق مع دول المصب قبل تلك الخطوة، فأين اليوم من البارحة؟ انظروا لتحكموا ماذا فعلنا فى أنفسنا، وخصوصًا مع ما نراه من سطحية البعض الذى اعتبر أن قرار إثيوبيا بالاستهانة بمصر ربما يصلح اتخاذه مطية للنيل من الرئيس والإخوان بعدما أصبح كل حدث مهما كانت حساسيته لا ينظر إليه منظرو الأمة إلا من خلال كيف نلقى تبعاته على النظام، فصار كل شىء ينظر إليه من هذا الجانب، بدءًا من خطف الجنود ثم الإفراج عنهم وحتى تحويل مجرى النيل. أما كيفية التعامل مع الواقع، فهذا ما يجب التفكير فيه الآن بدعوة عامة من الرئيس لكل الأحزاب المصرية والجهات السيادية، لبحث خطوات جادة وليست من عينة تلك التصريحات الخائبة التى يصدمنا بها المسئولون بالحكومة أو الرئاسة والمتحدثون باسمهم، فتحويل مجرى النهر عمل عدائى للأسف تم التخطيط له منذ سنين طويلة، كان نظامنا يستجم خلالها على شاطئ شرم الشيخ، ولا وقت عنده للإلمام بمعنى النيل بالنسبة لمصر، فكان التعتيم على ما يتعلق بهذا الأمر حتى صدمتنا الحقيقة الآن، ولا بد من مواجهتها، ففى عالم السياسة هناك مصالح يجب الدفاع عنها، ونهر النيل بالنسبة لمصر هو بقاء، فمن حقنا الدفاع عن بقائنا مهما كان المخططون والممولون لسد النهضة، فغضبنا الآن واستعدادنا للمواجهة هو خيارنا الوحيد لإبقاء مصالحنا وبقائنا وأمننا المائى على الطاولة للالتزام به، سواء من قبل إثيوبيا أو من يخطط لها أو يمولها مع بعض الخطوات الأخرى التى يجب أن نوجه نظرنا لها مثلاً بإشراك الكنيسة والبابا فى الضغط على إثيوبيا وبإعادة الانفتاح على بعض الدول الإفريقية، إن لم يكن كلها لمواجهة التواجد الأجنبى التى تعج به إفريقيا، فلابد أن نبحث عن موطن قدم، ولابد أن تطور مصر مفهومها للأمن الاستراتيجى لتصبح السودان وليبيا فى حساب أمننا الاستراتيجى، وبإعادة التواصل مع الصومال بفصائلها المتناحرة وبضرورة إعادة العلاقة مع دولة مثل إريتريا، وبإعلان موقف قوى فى مواجهة ذلك لتظهر مصر بكامل قوتها، وأنها رغم كم ما تعرضه فضائياتنا من حرية تصل إلى الإسفاف، إلا أننا عند الضرورة كلنا رجل واحد فداء لمصر. يا رجال مصر، ويا من تحكمون مصر، ويا من تعارضون من يحكم مصر، ويا إعلاميو مصر وساستها وأحزابها.. أرجوكم اتقوا الله فى مصر وشعبها. أسأل الله أن يجمع أهل مصر على قلب رجل واحد.. إنه ولى ذلك والقادر عليه.. تحياتى درويش عز الدين