نبدأ الحديث من النقطة الأخيرة وهى سياسات التعليم فى بلادى يظهر من اللحظة الأولى أن سياسات التعليم فى بلادى مصابة بآفة الاضطراب والتخبط وعدم الاستقرار، وهذا يبدو واضحا فى الفرمان الأخير بإلغاء الشهادة الابتدائية، مع أن العلم يقول إن التقييم فى أى مشروع يحقق النجاح من خلال التعرف على أوجه القصور التى من الطبيعى علاجها فى المرحلة التالية وكان فى القديم يتم التقييم للطالب فى الصف الثانى الابتدائى والرابع والسادس، فكان أولياء الأمور يقفون على مستوى الطالب الحقيقى ويسعون فى علاج أوجه القصور، كما أن الطالب كان يعلم أن هذه السنوات شهادات، فكان يجتهد لأنها شهادة، ومن ثم كان الطالب ينهى مرحلة القبول الابتدائى ولديه قدر من التعليم ما يسمح له بالقراءة والكتابة، وبعض العمليات الحساب فظهر فيروس التخبط عندما تم إلغاء الصف السادس، ثم إرجاع الصف السادس، ثم بعد ذلك إلغاء الشهادة الابتدائية، وكأن الصف السادس هو خط بارليف الذى يقف أمام طموحات وزير للتربية والتعليم ويتصور الوزير أن خلف الصف السادس يكمن فيه نجاحه وعبوره إلى النهضة بوزارته، لذلك يجب الإطاحة بهذه السنة التى حيرت كثير من الوزراء. أما السياسات فى التعليم العالى، فالحديث فيها يدمى القلوب نبدأ من البداية من تساؤل يفرض نفسه، كيف لنا أن نتحدث عن نهضة أو تنمية فى أمر شىء يحكم بثلاثة قوانين، وهى قانون الجامعات الحكومية وقانون المعاهد العليا الخاصة وقانون الجامعات الخاصة. إذن نحن حققنا نهضة فى أننا لا نزن بمكيالين، وإنما نحن فى النهضة نزن بثلاثة مكاييل!! التساؤل: ألم يكن الهدف الذى يسعى إليه كل من التعليم الحكومى والمعاهد العليا والجامعات الخاصة واحدًا؟ ألم نردد ونتعلم ونعلن أن التعليم العالى بجميع كلياته ومعاهده يشكل الركيزة الأساسية لتزويد المجتمع بالمتخصصين والفنيين والخبراء الذين سيتحملون تبعات العمل فى كافة الميادين؟ ألم نقر جميعاً بأن الجامعات الخاصة والمعاهد العليا تسعى إلى تحقيق المعاونة فى تحقيق الأهداف التعليمية المقررة للمعاهد والكليات الحكومية، والمشاركة فى تحقيق خطط التنمية ووضع العلم فى خدمتها؟ إذن من هذه الأهداف يكون التعليم الخاص بمؤسساته شريكا للتعليم الحكومى، إذن ما الداعى ألا أوفر المناخ الصالح للعمل لهذا الشريك حتى يتثنى له القيام بالدور المنوط منه؟ بل كيف أحاسب كل شريك بقانون مختلف؟ أى تنمية هذه؟ وأى نهضة تلك التى ننشدها؟ ألم يكن من الأجدى أن يكون هناك قانون عام يرسم سياسات التعليم العالى فى مصر مع مراعاة فى تفاصيله بعض الاختلافات التى لا تؤثر على جوهر القانون والهدف؟ هذا من جانب، ومن جانب آخر، علمنا السابقون أن رب الدار أعلم بما فى داره، بمعنى أننى عندما أريد إصلاح أمر أوكل من هو داخل هذا المجال، لأنه أعلم بخبايا هذا المجال. فكيف أنوى إصلاح قطاع كقطاع المعاهد العليا وأضع لجنة لإدارة شئون القطاع من أعضاء خارج المعاهد إلا اثنين، واحد ممثل للمعاهد العليا والآخر ممثل للمعاهد المتوسطة، وباقى اللجنة من الجامعة حتى ولو كان فى نفس التخصص، تعلمنا فى العلم، وهكذا يقول المنطق، إن اختلاف المجال المكانى والبشرى قد يؤدى لاختلاف المشكلات، ومن ثم قد يحتاج لمن يلمس هذه المشكلات عن قرب، ليتعامل معها بفاعلية على النحو الذى يحقق الهدف المنشود والتنمية المتوقعة. والسؤال الذى يفرض نفسه الآن: ألم يوجد فى هذه المعاهد من يصلح لمهمة إدارة قطاع المعاهد بحكم أنهم أعلم بمشكلاتهم؟ إذا كانت الإجابة بلا، فإنها طامة كبرى، إذن كيف نعهد إليهم بتعليم وإعداد أبنائنا لتولى هؤلاء الأبناء شئون الأمة فيما بعد؟ كيف يتولى أمر أبنائنا من هم غير قادرين على التعبير عن مشكلاتهم وتحديد هذه المشكلات وعلاجها أو محاولة إدارة شئون قطاعهم؟ وإذا كانوا قادرين ومع ذلك يتم استبعادهم فإن الطامة عظيمة، لأن هذا يعنى أن هناك حجرا من قبل من بيده الأمر على هؤلاء العلماء. وهنا نسأل هل يجوز أن يكون هناك حجر على عالم، وفى نفس الوقت أعطى له الفرصة ليشكل عقول أبنائنا، بل كيف أتوقع أن يقدم هو منتجا صالحا من الأساس؟ فأى نهضة لفئة تلك التى تصنع من غير مشاركة وقيادة أبناء هذه الفئة، فهذه النهضة كمثل من يقوم بتفصيل ثياب لمن لا يعرف حجمه ولا أبعاد جسمه!! كيف أقوم بنهضة فى العلم وتنمية فى وقت يشعر بعض العلماء فيه بأنهم مواطنون درجة ثانية وليسوا بعلماء؟ أى منطق وأى تنمية تلك التى يصدر فيها قرار جمهورى بمنح أعضاء هيئة التدريس بالجامعات بدل جامعة ويحرم منه أعضاء هيئة التدريس فى المعاهد العليا بقرار من وزارة التعليم العالى؟ أهذا لأن أعضاء هيئة التدريس بالمعاهد ليسوا على قدم المساواة مع زملائهم أعضاء هيئة التدريس فى الجامعات الذين حصلوا معًا على نفس الدرجة العلمية من نفس الكليات بل وقد يكون من نفس الإشراف؟ أم أنه تحد لقرار رئيس الجمهورية ورغبة فى عدم تطبيقه؟ أى سياسة تدعى تنمية ونهضة تلك التى تسمح لأستاذ مساعد يقوم بمتابعة والأشراف على معاهد بها أستاذ؟ أم أن المعيارين الأول يعمل بالجامعة والثانى يعمل بالمعهد؟ أم أنها رغبة فى تقزيم أعضاء هيئة التدريس بالمعاهد العليا؟ تلك تساؤلات تحتاج لإجابة، وفى المقال القادم نستكمل رياح النهضة على الجوانب التالية؟! أكاديمى وكاتب ومحلل سياسى