أنا لا أعرف فى "القانون" إلا بالقدر الذى يخص أدائى المهنى كصحفى محترف، ولكن أستطيع أن أفهم الفارق بين "نص" و"آخر"، إذا تماسا عند موضوع واحد، من خلال تأمل لغته ومفرداته جيدًا. أقول هذا الكلام بمناسبة التعقيبات التى صدرت بعد أن قضت المحكمة الدستورية العليا، حق ضباط وجنود الجيش والشرطة، فى التصويت فى الانتخابات، حيث تحولت النخبة وكذلك الصحفيون والمثقفون إلى "فكهاء" دستوريين وكالوا الشتائم ل"الدستورية". الفكهاء.. وصفوا الدستورية ب"الحزب السياسي" الجديد.. وأن "رائحتها" فاحت!.. بل إن واحدًا من الصحفيين الكبار ومقربًا من الحزب الحاكم، أقام من نفسه "أستاذًا" للقانون الدستوري، وطفق يوم أمس ب"الشروق" يلقن قضاة الدستورية دروسًا فى فهم مواد الدستور الذى كتبه الإخوان وحلفاؤهم من الأحزاب الإسلامية الصغيرة. الصحفى "الكبير".. اتهم الدستورية ب"التحرش السياسي" وأنها "تعمدت" تأزيم الوضع السياسى فى مصر، بفتح ملف تصويت ضباط الجيش.. وأنها هذه المرة قضت بعدم دستورية 12 مادة فى القانون.. بعد أن كانت فى المرة الأولى 4 مواد فقط!.. وكأن الدستورية هى التى وضعت مواد القانون، وليس "جهلاء" مجلس الشورى المفصل على مقاس شهوات الحكام الجدد. "الفكيه" الدستورى الصحفى الكبير ألمح إلى أن قضاة المحكمة تعمدوا "التلاعب" لأنهم قرءوا فقط المادة 55 التى "اعتبرت أن مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطنى وقررت حق كل مواطن فى الانتخاب".. و"أغمضوا أعينهم عما قررته ديباجة الدستور التى تشكل مفتاح القراءة الصحيحة له، إذ نص البند الثامن من الديباجة على أن "قواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل فى الشأن السياسي". وفى تقديرى أن الذى "يتلاعب" أو "يتجاهل".. وهو ذلك الكاتب الألمعى، الذي يتعمد خلط المواد والمفردات.. على طريقة لاعب الثلاث ورقات على طاولات النصب فى الموالد وأمام دور السينما فى الأحياء الشعبية. المادة 55 تحدثت عن حق المواطنين، وهو تعبير يشمل جموع المصريين بغض النظر عن وظائفهم المهنية بوصفه من "حقوق المواطنة".. والبند الثامن من الديباجة تحدث عن "المؤسسة"، والأخيرة ليس لها "حقوق" بالمعنى الذى ينسحب على "الإنسان" وإنما "صلاحيات" و"واجبات".. الفارق كبير جدًا بين الاثنين، ولا يشعر به إلا كل "متلاعب" أو "جاهل". كما قلت لا أفهم فى القانون، ولكننى قادر على التأمل ووضع اليد على الفوارق الفنية بين المفردات والمصطلحات. ولا أدرى لِمَ كل هذه الضجة على ما يخص "تصويت العسكريين"، فيما يتجاهل "الضمير" الإخوانى وهو تعبير يشمل الإخوان والمتعاطفين والعاملين معهم 12 مادة أخرى وضعها "الحبايب" مترعة بالعوار الدستوري؟! المشكلة ليست فى "تصويت الجيش"، إذ يمكن تعديلها لاحقًا مع المواد الأخرى التى تطالب المعارضة المدنية تعديلها، بعد انتخابات مجلس شعب جديد. المشكلة فى أن ثمة مؤامرة حقيقية تستهدف تأجيل الانتخابات البرلمانية، إلى أن يفرغ الطغاة الجدد من تفصيل التشريعات التى تساعدهم على إحكام قبضتهم على رقاب العباد وثروات البلاد.. خاصة أن أداة التفصيل باتت "حصريًا" ملكية خاصة لهم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.