ما معنى أن تعيد المحكمة الدستورية قانون الانتخابات الجديد إلى مجلس الشورى مطعونًا بعدم دستورية بعض نصوصه، ولأسباب هي ذاتها نفس الأسباب التي تم بها رفض القانون السابق الذي قدمه "جهابذة" الشورى، وبالنص؟ ألا يعني ذلك بوضوح كامل أن المسيطرين على مجلس الشورى لا يريدون انتخابات ولا يحزنون، وأنهم يتلاعبون بالسلطة ويهزأون بالمحكمة الدستورية وأنهم يتعمدون تأجيل استحقاق الانتخابات النيابية التاريخية والحاسمة لمستقبل مصر، لأنهم يدركون أن فرصهم في الفوز فيها ضعيفة كما اعترفوا أخيرًا؟ ما معنى أن تقضي المحكمة الدستورية قبل ثلاثة أشهر بعدم عدالة توزيع المقاعد على المحافظات وتعيد هذا النص للشورى لتعديله، فيرفض المجلس تعديله فيطعن الطاعنون عليه فتوقف المحكمة الإدارية العمل به وتحيله إلى الدستورية، فيهرب مجلس الشورى من هذا الاستحقاق ويقوم بعمل قانون جديد، ثم تفاجأ بأنه يعيد فيه نفس المخالفة مرة أخرى، فتقضي المحكمة للمرة الثانية بعدم دستورية هذا النص وتعيده مرة أخرى للشورى؟! أسأل أصحاب العقول: ماذا يعني هذا التلاعب والتهريج وانعدام المسؤولية سوى أنه تعمد واضح لإضاعة حق الشعب في الاختيار ومنعه من إنجاز مؤسساته الشرعية المنتخبة كمجلس النواب، في قانون الانتخابات الجديد الذي قضت المحكمة الدستورية ببطلان بعض نصوصه، أضيفت نصوص عجيبة، ومفصلة تفصيلًا بشعًا، مثل منح رئيس الجمهورية الحق في تحديد موعد الانتخابات متجاوزًا محددات الدستور نفسه، تحت دعوى: الظروف الاستثنائية، فيقوم بتقديم الموعد أو تأخيره حسب ما يتبدى له ولمعاونيه من الظروف التي يقدرونها، وإذا كان موعد الانتخابات جزءًا من حسابات الفوز أو الخسارة بطبيعة الحال لهذا الحزب أو ذاك، فإن مقتضى هذا التعديل أن يمنح الإخوان المسلمين الحق المطلق في تحديد اللحظة التي "يمنون" بها على الوطن بإجراء الانتخابات، وفي الوقت الذي يشعرون فيه أن فرصهم تحسنت، ويمكنهم بالمقابل تأجيلها إذا شعروا أن اللحظة غير مواتية أمام صندوق الانتخاب، هذا منتهى العبث بالديمقراطية، وأسوأ من ذلك أن هذا النص لم يكن موجودًا في القانون السابق الذي رفعه الشورى إلى المحكمة للنظر فيه، وكان أولى أن يركز الشورى على تعديل وتصحيح العوار الذي شاب النصوص التي سبق وأرسلوها بدلًا من أن يضيفوا نصوصًا جديدة تهريجية مثل النص السابق، فينتهي الأمر إلى رفض القانون بحكم المحكمة مرة أخرى، وهو ما يضطر المجلس لمناقشته وتعديله مرة أخرى، ثم إعادته إلى المحكمة الدستورية، وكل ذلك مماطلة وتسويف وتلاعب بالوطن وبالديمقراطية من أجل الهروب من الاستحقاق الانتخابي، والحقيقة أن مشروع القانون الذي أعده "جهابذة" الإخوان في الشورى مترع بالعجائب والغرائب، مثل أن يفرض القانون على وسائل الإعلام الخاصة أن تنشر المواد الصحفية أو الإعلامية عن المرشحين بالتساوي، وكأنها وسائل عامة وملكية للدولة الكل شركاء فيها، أي أن رجل أعمال مرشح مثلًا وله صحيفة أو قناة فضائية يلزمه القانون المقترح بأنه إذا قدم نفسه ساعة على الشاشة لابد أن يقدم مرشح الإخوان أيضًا ساعة مماثلة، رغم أن المال ماله ولم يمنع الآخرين من أن يكون لهم منابرهم الإعلامية بمالهم الخاص أيضًا، هذا منتهى التهريج والاستخفاف بالعقول أو بمعنى آخر يكشف عن تعمد وضع المضحكات والغرائب من أجل إجبار المحكمة الدستورية على الحكم بعدم دستورية القانون، وهو ما حدث، أيضًا في القانون المقترح يمنح المحافظين الحق المطلق في منع الدعاية الانتخابية لمرشح بعينه أو غيره وإزالة الملصقات الخاصة به بدون الرجوع إلى أي جهة قضائية أو اللجنة العليا المنوطة بالإشراف على الانتخابات، وبطبيعة الحال هذا النص يمنح السلطة التنفيذية التي يسيطر عليها الإخوان بشكل مباشر من خلال محافظيهم أو المحافظين الذين عينوهم هم من الموالين لهم وأصحاب الفضل عليهم، يمنحهم الحق في التحكم في توجيه الدعاية الانتخابية ومطاردة المرشح المغضوب عليه، باختصار شديد، القانون الجديد الذي قدمه الإخوان للانتخابات يكشف بما لا يدع أي مجال للشك، أنهم يتعمدون نشر الفوضى السياسية وتعطيل مسار الديمقراطية وتأجيل ميلاد البرلمان الشرعي المنتخب، ثم يسألون في النهاية ببراءة شديدة : لماذا تغضب المعارضة؟ ولماذا يستفز الشباب؟ ولماذا الاحتجاجات العنيفة؟ ولماذا لا نحتكم إلى الصندوق؟! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.