كتب د/ رفعت السعيد اليساري الشهير مقالا ً في صحيفة الأهرام يطالب بإطلاق حرية بناء الكنائس دون قيد "أو ما يسمونه قانون بناء دور العبادة الموحد" مشاركاً بحماس في تلك الحملة التي يقودها أقباط المهجر في الدعوة لهذا القانون. ولكي ندرك ما وراء السطور في حديث الدكتور نبدأ بعبارة معبرة للأستاذ جمال أسعد السياسي المسيحي الشهير في كتابه "إني أعترف" الذي طبع منذ قرابة السنوات العشر يقول: "وهذه العلاقة – يعني العلاقة بين الدكتور رفعت السعيد والبابا – كنت أري أنها غير طبيعية وغير صادقة لأن الدكتور رفعت السعيد وحزب التجمع اعتبرا أنفسهما حاميي حمي الأقباط والمدافعين الأولين عنهم.. بل إنهما أحيانا كانا يعتبران المتحدث الرسمي باسم الأقباط في مصر.. وهذا لا يخلو من مصلحة تداخلت فيها الانتهازية السياسية مع الدين. وكنت أعلم ذلك تماما ً خاصة أن هذه العلاقة المشبوهة كانت في شكل تبرعات وشيكات مالية تأتي لجريدة الأهالي ولحزب التجمع والشخصيات البارزة أيضاً من قبل أقباط المهجر.. الذين كانوا يدعون كل أقباط العالم لقراءة جريدة الأهالي باعتبارها جريدة المسيحيين في مصر.. وليست جريدة حزب من المفترض فيه أنه اشتراكي تقدمي ". كنت أود أن أكتفي بهذه العبارة التي قالها السياسي القبطي الشهير للرد علي الدكتور السعيد فهي أولاً صادرة من قبطي.. وهي أيضا ً صادرة من عضو سابق في اللجنة المركزية للحزب.. وبالتالي فهو مطلع علي دواخل الطرفين الذي يدفع والذي يدفع له. ولكن لا بأس أن نستكمل الحديث عن كلا الأمرين المطروحين "د/ السعيد" و"بناء الكنائس". أما بخصوص د/ رفعت السعيد فقد انضم إلي حزب حدتو وهو لازال صغيراً – الخامسة عشر تقريباً – فكان أول طفل يدخل السجن سياسياً وهو يرتدي الشورت.. كما فاخر هو بذلك في مذكراته – كان الشورت في ذلك الوقت طويلاً بعض الشيء عن شورت كباتن الكرة هذه الأيام -. وحزب حدتو لمن لا يعرفه هو حزب شيوعي ألفه يهودي مصري اسمه هنري كورييل.. وكان يضم مجموعة من اليهود والأجانب والعملاء وبعضاً ممن خدعتهم الشعارات الشيوعية من العوام. كان الحزب من أول من اعترف بإسرائيل من التنظيمات الشيوعية في العالم وقد تسببت مشاغبات – هكذا أسماها د/ السعيد - شباب الحزب مع حكومة الثورة في أن يشرفوا سجون ناصر ومنهم الدكتور قبل دكترته. وهكذا زار الدكتور السجون المصرية وأبرزها سجن المحاريق بالوادي الجديد وذاق مع من ذاقوا من ويلاتها .. ثم وبعد ضغوط سوفيتية وتفاهم مع النظام خرج الشيوعيون ومعهم الدكتور من السجن حيث استبدلوا بتنظيم حدتو الشيوعي السري بعد حله التنظيم الطليعي الناصري ليصيروا – ولا مؤاخذة – علي حجر النظام الناصري. وهكذا أيضاً تم تعيين الشيوعيين أصحاب التنظيم السري المنحل في مراكز التوجيه الإعلامي والثقافي في البلد.. وكان نصيب الدكتور أن يدخل جريدة الأخبار وهو لازال طالباً بكلية الحقوق ضمن عشرات آخرين عينوا تحت رئاسة خالد محيي الدين الذي كان يترأس الصحيفة بمرتب 30 جنيهاً . ولم تمض سوي بضعة شهور حتى صار مديراً لمكتب رئيس التحرير – وهو مازال طالباً – تمر عبره كل أخبار البلد ومقالات صحفيي الأخبار. أما كيف صار دكتوراً بعد حصوله علي الليسانس وقد جاوز الثلاثين ببضع سنين فإنه يحكي في مذكراته التي طبعتها مكتبة الأسرة بسعر زهيد – حاجة ببلاش كدة – لكي يقتدي به الشباب باعتباره رمزاً من رموز الوطن وحياته قصة كفاح عظيمة ينبغي أن يتمثلها أبناؤنا . يحكي كيف التقي بأستاذه المستشرق الألماني – ألمانياالشرقية الشيوعية طبعاً – عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وعميد جامعة برلين - وكيف اختاره ليعرض عليه أن يحضر رسالة دكتوراه في التاريخ بجامعته.. ولما استغرب طلبه هذا باعتبار أن دراسته هي القانون وليس التاريخ أخبره أنه سيدبر له الأمر. وهكذا ووسط جو من الإبهار كما يصف حالته في زياراته المتكررة إلي ألمانيا استمر الأستاذ المخضرم والجيش المصاحب له من الخبراء بالجامعة في تشكيل عقلية الشيوعي الشهير طوال سنوات دراسته لرسالتي الدكتوراه اللتين أشرف عليهما نفس الدكتور لوثر راتمان. ومن خلال سلسلة من الأبحاث تم اختيارها بدقة عن الشخصيات والتجمعات السياسية بمصر مثل بحثه عن حسن البنا وتاريخ الحركة الشيوعية ومصر الفتاه وسعد زغلول. ومن خلال التوجيهات الممنهجة المرتبة التي كان الدكتور يشكله بها علي مدار أكثر من 15 سنة تم تشكيل الدكتور وحصوله علي شهادتي الدكتوراه. ثم كان حزب التجمع واختيار الرئيس الأسبق لأستاذه خالد محيي الدين رئيساً له.. واختيار خالد للدكتور مساعداً له ليجمعا فلول اليسار من شيوعين وناصريين وغيرهم تحت عنوان واحد. وانطلقت جريدة الحزب تعبر عن هذا الخليط العجيب المتناقض من البشر.. واستطاع الدكتور أن يتخلص من كثير من الأعضاء الوطنين والمختلفين معه لتصبح الجريدة وصاحبها الدكتور الذي صار رئيساً للحزب بعد اعتزال خالد أكبر معبّر عن نصارى المهجر ومعاد للإسلام والإسلاميين. الخلاصة أنها صارت تخدم أجندات أكثرها ليس في مصلحة الوطن وأبنائه.. وإنما في خدمة أجندات أكثرها أجنبية.. ولا بأس أن يتنقل بينها في انتهازية لتحقيق مصالح أكثرها شخصية وإن تناقضت مبدئياً. هذه مقدمة لابد منها لنستطيع أن نفهم طبيعة أولئك الذين يتبنون أجندة أقباط المهجر وأكبر مثال علي رأسهم اليساري الشهير. بقي أن نناقش موضوع مقالته المنشورة يوم السبت الأسبق عن دعوته إطلاق الحق في بناء الكنائس تحت مسمي قانون بناء دور العبادة الموحد. إن شاء الله في مقال آخر